ثم أمسك بالهر وعدا به. وتبعه بعض الرجال. وظل نوتش وحيدا بين البقية الباقية من السجناء وهم ينظرون إليه شزرا. فصرخ فيهم مستغيثا لست أنا وحدي أيها الرفاق.
فقاطعه ذو الشعر الأحمر وهو يلتفت يمنة ويسرة - صه، لست أنت. إذا من؟
فصاح المهرج قائلا - ولكنكم مشتركون جميعكم في المسألة.
فقال الرجل - أيها الكلب. ثم لكمه على وجهه. فتراجع نوتش إلى الخلف ليتلقى ضربة أخرى في عنقه. وجعل يصيح فيهم متوسلا (أيها الرفاق. .) ولكنهم التفوا حوله بعد أن تأكدوا من بعد الحراس عنهم وأسقطوه على الأرض يشبعونه ضربا. كان كل من يراهم مجتمعين يعتقد أنهم مشتركون في حديث ودي، ورقد نوتش تحت أقدامهم، وكنت تسمع من وقت لآخر صوتا مكتوما كانوا يركلونه فيضلوعه، يركلونه في تؤدة وهدوء، وينتظرون حتى يظهر منه وهو يتلوى على الحشائش كأفعى فرجة تسمح لهم بركلة مرة أخرى. واستمر ذلك ثلاث دقائق صاح بعدها أحد الحراس فجأة: لا تبتعدوا كثيرا أيها الشياطين!
ولم ينفض السجناء في الحال، بل تركوا نوتش يركله الواحد تلو الآخر، وظل نوتش راقدا بعد أن رحلوا منبطحا على الأرض وكتفاه يهتزان، كان يبكي في حرقة، وظل يسعل ويبصق، ثم حاول أن ينهض في حذر كأنما يخشى السقوط وقد أرتكن على ذراعه اليسرى، ولكنه نبح كالكلب المريض، ثم تخاذلت ساقاه، وأخيرا تهالك على الأرض. وصاح ذو الشعر الأحمر مهددا: إياك أن تتظاهر!
فتحامل نوتش على نفسه وقام على قدميه، ثم سار يترنح في خطوات ثقيلة، وأخيرا أرتكن على الحائط، وقد انحنى ظهره ورأسه، وكان يسعل باستمرار، فشاهدت قطرات قاتمة تتساقط من فمه على الأرض وتتناثر على الحائط. وحاول نوتش جاهدا أن يمنع قطرات الدم من أن تلوث الحائط، فجعل يمسحها بطريقة مضحكة. وإذا بالابتسامة تعود فتشرق على وجوه من يراقبونه وإذا بالضحكات تعود فترن في أنحاء الفناء.
ولم أر الهر بعد ذلك. . . وأصبح نوتش محط أنظار رفاقه دون أن يكون له مزاحم آخر!