قست الحوادث على الصحف المصرية فشغلتها عن وصف ما وقع في تونس الخضراء بموت الباي السابق وقيام الباي الجديد، فرأيت أن أكتب كلمة وجيزة أشرح بها لقراء (الرسالة) جانباً من حياة اليوم في ذلك القُطر الشقيق، نقلاً عما وعته أُذناي من إذاعة تونس العربية، وهو يصور بعض خواطر الناس هناك
الباي الجديد اسمه (محمد المنصف) ولقبه (المنصور بالله) وكان أبوه يلقَّب بالناصر، (ومن كان أبوه الناصر فهو المنصور) كما قال أحد خطبائهم في الاحتفال الذي أقيم بقاعة العرش
وسياق الخطب والقصائد يجعل الباي (صاحب الجلالة الملك) وهذا اتجاهٌ جديد فيما أفترض، وإن كان لقب (الباي) قد احتفظ بقدسيته في الأغاني والأناشيد
ويظهر بوضوح وجلاء أن نظام (البيعة) روعيت أصوله من الوجهة الشكلية، فالباي ورث أباه على العرش، ومع ذلك رأى التونسيون أن يقيموا البيعة بعد توليته بأيام، رعاية للتقاليد الإسلامية، وإن كان الأصل أن تكون البيعة أسبق من الولاية، لأنها بمثابة الترشيح الذي يسبق الانتخاب، وإلا فهي ضربٌ من المُلك العَضُوض
والطريف في هذه القضية أن المبايعين يفِدون من أسبوع إلى أسبوع بنظام وترتيب، فيكون لكل إقليم يوم، ويكون المبايعون من أعيان البلاد في الإقليم، البلاد التي لها شأن في القديم والحديث، وهذا المعنى يشار إليه في الخطب والقصائد بإجمال، ولكنه يذاع على الجمهور بالتفصيل. ولو كانت لنا سياسة عربية صريحة لرأت الإذاعة المصرية أن تسجل ما روته الإذاعة التونسية في هذا الموضوع، ففيه تفاصيل عن الأقاليم التونسية تستحق التسجيل. ولكن أين من يسمع؟!
ومما يجب النص عليه أن الخطب والقصائد التي ألقيت في المبايعة تمتاز بميزتين: الأولى سلامة اللغة من اللحن والتحريف، وذلك يشهد بأصالة العروبة هنالك
الميزة الثانية هي الحرص على القومية الإسلامية. فأكثر الخطب تُختم بعبارة دينية لطيفة، كأن يقول هذا الخطيب:(جعل الله غرر أيامك لائحة، بِسرّ الفاتحة)، وكأن يقول ذلك الخطيب:(حفظك الله في الذهاب والإياب، بجاه النبيّ الأوّاب، وبسرّ فاتحة الكتاب)، وقد