للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التفتّ إلى كلمة (سرّ الفاتحة) فوجدتها وردت في جميع خُطب المبايعين.

وغنَّى المغني في تهنئة الباي قصيدةً حفظتُ منها هذين البيتين:

أضاءت بك (الخَضْرا) فأشرق نورُها ... فأنت عماد الدين ليس يزول

مددتَ علي الإسلام أكناف نِعمةٍ ... بأعطافها ظلٌ عليه ظليلُ

والخضراء لقب تونس، وبه توصف في الأشعار الشعبية المنظومة على لسان الزناتي خليفة وأبي زيد الهلالي. وهما شخصان حقيقيّان، لا خرافيان كما يتوهم جماعة من الخلائق

وإنما نصصت على الناحية الإسلامية، لأن الإسلام في تونس كان أكبر عقبة في طريق الاحتلال الفرنسي. ومع ذلك أن حكومة باريس كانت رأت تشجيع التونسيين على التجنس بالجنسية الفرنسية ليصيروا إلى ما صار إليه الجزائريون، فقرر أهل تونس أن من تجنس بالجنسية الفرنسية فلا يجوز دفنه في مقابر المسلمين، وبهذا صار الخروج على الجنسية التونسية بمثابة الخروج على الدين الحنيف.

وبالرغم من الدعايات الأجنبية في تونس فقد ظل التونسيون غاية في الوفاء بالعهد للعروبة والإسلام، وتلك مزية يشاطرهم فيها اللوبيون والجزائريون والمراكشيون، مع اختلاف قليل في لون العصبية قضت به ظروف لا تخفى على اللبيب.

وإذا تذكرنا أن فتح الأندلس يرجع في الأغلب إلى شهامة العرب في أفريقيا الشمالية أدركنا قيمة تلك البقاع في الحيوية العربية والإسلامية، ولن يمر زمن طويل قبل أن يكون لأولئك الأقوام تاريخ جديد.

وإذا تذكرنا أن (البحر الشامي) كما يسميه التاريخ العربي وهو الذي يسمَّى خطأً (بحر الروم) والذي أسميه (بحر العرب) إذا تذكرنا أن هذا البحر خدم العروبة والإسلام بفضل أبنائه من المصريين والفلسطينيين واللبنانيين عرفنا أنه لن يستغني عن خدمات أبنائه من اللوبيين والجزائريين والتونسيين والمراكشيين، وما أحسبه سيسكت عن ضياع لبنان الثاني وهو الأندلس، وستعرفون صدق هذه النبوءة بعد أزمان قصار لا طوال.

(وقُل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)

زكي مبارك

الفدائية

<<  <  ج:
ص:  >  >>