[أبو الطيب المتنبي]
للأستاذ معروف الرصافي
كان أبو الطيب امرأ قُوَلَهْ ... يبتكر الشعر مذكياً شُعَله
صاحب نفس كبيرة شرفت ... فشرَّفت حله ومرتحله
كان هو الشاعر الذي انتشرت ... أشعاره في البلاد منتقله
أوجد للشعر دولة عظمت ... به فعزت من غيره دُوَله
من كل معنى أغر مؤتلق ... في لفظه كالعروس في الحجَله
وربما رق لفظه فبدت ... في شعره كل كِلْمةٍ ثمله
وربما لم تَبن مقاصده ... لأنها فيه غير مبتذله
فسائلن عن قريضة حلبا ... كم قطفت منه زهرة خَضِله
خلد ذكراً لسيف دولتها ... أيام وشَّى بمدحه خلله
فاعجب لسيف لم تَبْل جدته ... وشاعر بالمديح قد صقله
ولو حاز موسى مضاء عزمته ... ما تاه في التيه عندما دخله
وهو الذي اجتازه بِعْمُلَةٍ ... تحمل منه الهمام لا التُكَلَه
قد بات كافور من جراءتها ... على الموامي بمهجة وجله
إذ أعجزته بالسير عن طلب ... لا خيله تخشى ولا إِبله
فسل به النيل يوم ناقتُه ... تغمرت منه وانتحت جبله
كيف أتى مصر كالعقاب لكي ... يبلغ فيها بشعره أمله
وكيف أحيا بالمدح أسودها ... ثم وشيكا بهجوه قتله
في شعره حكمة مهذبة ... وروعة بالذكاء مشتعلة
ونغمة بالشعور صادحة ... وصنعة بالفنون متصله
قدرته في البيان واسعة ... يتيه فيها السؤال والسَّأله
إذا المعاني بذهنه ازدحمت ... ما ربكت في انتقائها حيله
كم شاعر قد قفا له أثراً ... وناقد راح يبتغي زلله
فأخفقوا عاجزين عن درَك ... لبعض ما كُلُّلهُ تيسر له