قرأت في العدد رقم ٢٥٥ من الرسالة الغراء مقالة الأستاذ الجليل الذي أجهل أسمه - فهو لا يوقع أسمه - وأقر بفضله وأعجب بأدبه وسعة معارفه ودقة ملاحظاته. وعنوانها (قاسم أمين، هل كان كردياً؟) وكنت أطلعت قبل ذلك على قصيدة الأستاذ الجارم بك
أما بيت القصيدة الذي يشير إلى أصل قاسم أمين الكردي:
يا فتى الكرد، كم بززت رجالاً ... من صميم الحمى ومن أعرابه
فقد كنت، شأن الأستاذ الجليل، استعجبت منه ومن قائله؛ ولكن عجبي قد يختلف عن عجب الأستاذ بعض الاختلاف.
تعجبت من هذا القول، بل استنكرته، لأن فيه استخفافاً بقوم من الأقوام، فكأن الأستاذ الجارم سامحه الله يقول في بيته:
(على الرغم من أنك كردي، أيها القاسم الأمين، فقد فقت العرب، وعلى الرغم من أنك غريب فقد سبقت أهل البلاد).
إنني لا أدري إذا كان قاسم أمين كردي الأصل حقاً أم عربياً. ولكني أستفظع أن ينقص أصله لأنه كردي. فالكرد ليسوا من حيث المواهب والمؤهلات دون غيرهم من الشعوب. ولئن كنت أسلم مع الأستاذ الجليل ويسلم كل رجل يدين بالديمقراطية ويخضع لسلطان العقل والعلم، بأن (المرء بفضله لا بأصله) وأن (الإنسان - كما قال بديع الزمان - من حيث يوجد لا من حيث يولد). بيد أني لا أرى مجالاً لهذا الاستشهاد بصدد أصل قاسم أمين، لأنه ليس يزري بقاسم أمين أن يكون كردياً لا من حيث العلم والفضل، بل من حيث المنبت والأصل.
فهل طيب الأرومة وكرم العنصر وقف على قوم دون قوم وعرق دون عرق؟
إنني كما ينتقد الأستاذ الجليل من يقول من أبناء فرنسا مباهياً (أنا فرنسي، أنا ابن الغول) آخذ أيضاً على كل من يقول من المتكلمين بالعربية: (أنا عربي أنا من نسل قحطان أو عدنان) بمعرض المفاخرة على غيره من أبناء العربية المستعربين، أكراداً كانوا بالنسب، أم شراكسة، ألباناً أم صقليين.