إنها العصبية تسربت إلى الأستاذ الجارم في بيته (يا فتى الكرد) والعصبية نزعة قديمة بعثت حديثاً في بعض البلاد، كافحتها في القديم الأديان السماوية العالمية كالإسلام، والنصرانية، وتحاربها الآن جميع المذاهب التي ترمي إلى التقريب بين بني الإنسان وإحلال الوئام والسلام محل البغضاء والخصام
لقد كانت العصبية في الجاهلية مبدأ سائداً تقوم عليه الحياة الاجتماعية والسياسية فقد كانت الوحدة القبلية قبل الإسلام شبيهة بالرابطة تجمع بين أفراد الدولة الواحدة في عهدنا هذا. وقد بعثت العصبية من جديد في عهد بني أمية، بالرغم من مخالفتها روح الإسلام لغاية سياسية، خلاصتها دعم العرش الأموي ومقاومة خصوم الأمويين من آل البيت الذين كان أكثر دعاتهم وأقوى أنصارهم من غير العرب وجلهم من الفرس والأكراد.
اضمحلت العصبية بعد بني أمية. ولم يعد لها أثر يذكر إلا في الأدب العربي. وخاصة في الشعر لأسباب لا محل لتفصيلها الآن أجلها تقليد الأوائل ولا سيما الجاهليين
ولئن قامت في بعض البلاد الأوربية نزعات ومذاهب تشبه العصبية العربية كالقومية. في ألمانيا فهي تبرر عند أربابها على الأقل بأسباب حيوية لا نظير لها في البلاد العربية - ما خلا فلسطين التي نزلت بها من الصهيونية نازلة خاصة - فقد يكون للألمان بعض العذر بأن يتسلحوا بالقومية لمناوأة اليهود. لأن اليهود يتظاهرون في كل بلد يقيمون فيه بأنهم من صميم أهله في حين أنهم رغم السنين والقرون تمر عليهم، ورغم ما يفيدون من البلاد التي تلقتهم وآباءهم قبلهم من حقوق سياسية ومدنية يظلون يهوداً قومياً وعاطفياً تجمعهم جامعة قومية يهودية، ويبقون أمة داخل أمة. على أن العصبية أو القومية - أنى كانت وفي أي زمن وجدت - إذ تتخذ شكل رجحان عرق على عرق وجنس على جنس، ممقوتة ظالمة، خاطئة تنقضها الفكرة الحرة ويفندها العلم وتستنكرها المثل العليا الإنسانية.
لقد قام الإسلام الذي يدين به أكثر العرب على أساس غير قومي، فدين الإسلام كما قلنا فيما تقدم عالمي لا قومي، ومحمد (ص) لم يرسل للعرب وحدهم بل أرسل للبشر عامة، ولا فضل في نظر صاحب الرسالة (لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى). ولكم نهى النبي (ص) عن العصبية بالتصريح، فقال (ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية).