قد يكون مما يدخل في أحاديثنا هذه ويتعلق بأطرافها، أن أعرض لبعض ما يدور من آراء حول (الشعر الجديد). فالناس لا بد متحدثون فيما تطالعهم به الصحف، ولا سيما حديث الشعر والشعراء، والكتابة والكتاب، فهذا ميدان يجول فيه كل جائل، ويصول كل صائل.
ولقد سمعت كثيراً في موضوع هذا الشعر، وقرأت كثيراً. ولكن الكثرة الغالبة ممن قرأت لهم، أو سمعت منهم، يرمون الكلام على عواهنه، غير داعمين قولاً، أو قاطعين بحجة؛ وإنما هي أحكام تسرد سرداً وتلقى جزافاً. وكثيراً ما تكون غير مستندة مطلقاً إلى قراءة، أو راجعة إلى دراسة. . . وما أكثر الثناء والإطراء بيننا! وما أعظم ما يتحكم الهوى، ويستبد الغرض! وتقارض المديح داء عياء في بيئتنا الأدبية؛ فاضمحل النقد وصوح، بعد أن كان يوماً مزدهراً مونعا. وخلا الجو للبغاث فاستنسر، وللباطل فران على الحق؛ فإن رأيت نقداً فقوامه همز ولمز، وتعريض وتجريح
وإني نكتف هنا برأيين اثنين علقا بذاكرتي لغرابتهما، ولكثرة ما يتداولهما ناس من الناس
فقد قالوا إن هؤلاء المجددين - سواء أكانوا شعراء أم كتابا - إنما ينهجون مناهج الإفرنج في أخيلتهم وتصوراتهم، ويحتذون فنهم، ويستعيرون منهم، ويحاكونهم في تشبيههم ومجازهم؛ فقد طال عهدنا بالقديم، ونالتا منه السأم. . . وما ضر لو أرسلنا في شعرنا من شعرهم دما جديداً، وبعثنا في نثرنا من نثرهم حياة جديدة، فنجاري الزمن في حركته، ونساير العصر في تطوره؟
هكذا قالوا
وإن تعجب فعجب أن يصدر مثل هذا الكلام عمن يعقلون؛ فهم بلا شك مقلدون، يرددون ما لا يفهمون. أيجرؤ ملم بلغة أجنبية راقية أن يلغو هذا اللغو؟ أمامنا الأدب الرفيع من أدب الغرب، وهذا شعرهم وهذا نثرهم، فليقرءوا وليحكموا
فهل مما يعقل أن يكون ثمة صلة أو شبه صلة بين لغط هؤلاء المتشاعرين وأشباه الكتاب، وذلك الأدب الغض، والبيان الرائع، والقول المبين؟ إنهم لأعجز من أن يردوا هذا المورد، أو ينهلوا من ذلك المنهل، وإنهم لأقصر باعاً من أن ينالوا ذاك المنال