ولا عليكم - إذا أعوزتكم لغة الإفرنج - أن ترجعوا إلى ما ترجمه أعلام أدبائنا عنهم. فهذا حافظ في (بؤسائه)، ومطران في شكسبيرياته، والزيات في (آلام فرتر)، والمنفلوطي في رواياته، وغير هؤلاء ممن نقلوا فأجادوا النقل وفهموا فأحسنوا الفهم
فارجعوا إلى هذه التآليف البارعة، تروا كيف يفكر الإفرنج، وكيف يتخيلون ويتصورون، وكيف ينقشون ويصورون؛ وتروا أيضاً نصاعة العربية في أقلام هؤلاء الأفذاذ وصفاءها ونقاءها؛ وتميزوا الفائقة من العجز الفاضح، والديباجة المشرقة من العي الواضح
والرأي الثاني أصوره في حوار وجيز في مجلس من أصحابنا، وقد تذاكرنا (الشعر الجديد) فقد اندفع من بيننا رجل فقال: إن ما ترونه يا قوم في بعض هذا الشعر من التعمية والخفاء إنما هو قصد إلى الرمز والإشارة. ألا ترون إلى بعض المتصوفة كيف يعمى في شعره، أو يغنى في حديثه، وهو يشير من طرف خفي إلى ما لا يتبين من ظاهر ألفاظه؟ فهكذا الحال هنا. فقلت له: وإلام يرمز شعراؤنا هؤلاء يا سيدي؟ فقال: إنهم يختلفون في نزعاتهم وأغراضهم، فيتغايرون - تبعاً لذلك - في مراميهم البعيدة. فقلت: أمؤمن أنت بما تقول؟ وهل اكتنهت شيئاً من هذه الرموز؟ هات - رحمك الله - فأطرفنا بعضها، وفك لنا مستغلقه
فسلك يده في جيبه فأخرج دفتراً، فتلا منه أبياتاً لأحدهم ثم أخرى لغيره، ثم مقطوعة لثالث، ثم كر راجعاً، وطفق يشرح. فلا وربك ما وهي مما قال شيئاً وما وعينا، وما فقه وما فقهنا!
فقمت عن المجلس وأنا أقول في نفسي: لقد خبنا بالأمس في حل طلاسم (الكاتب المجهول) فإذا نحن في حل هذه الطلاسم أخيب!
(للحديث بقية)
(ا. ع)
خصومة لا عداوة للنقاد والشعراء
صديقي صاحب (الرسالة)
مهدت السبيل لصديقنا ناقد الرسالة أن يصول في موضوع (الميل إلى الهدم وصراع الديكة بين الأدباء والفنانين) ومنحت نفسك سلطة الدفاع المستتر عن ناقد الرسالة بحذفك شطراً من كلمتي التي وجهتها إلى صديقي ناقد (الرسالة)