كما أن الآثار والأطلال والذكريات الباقية تستمد جلالها من الحوادث والمناسبات التاريخية التي ارتبطت بقيامها، فكذلك تستمد جلالها من الزمن؛ وقد يكون الزمن كل شيء فيما تتشح به الأطلال الدوارس أحياناً من روعة الخلود؛ وأقدم الهياكل والآثار هي بلا ريب أعرقها من هذه الناحية؛ فالقديم مهما كانت ضالته من الناحية التاريخية أو الفنية يبعث إلى النفس أثراً خاصاً ويحملها إلى تلك العصور الذاهبة الذي يرجع إليها ويرتبط بها
فما بالك إذا كان هذا الأثر أو الصرح القديم لا يزال كسابق عهده يقوم بمهمته التي أنشئ لها منذ الأحقاب المتعاقبة، ويمتلئ حياة وبهجة، ويساير العصر، ويربط الحاضر بالماضي بأوثق الصلات؟
لسنا نريد أن نحدثك في هذا المقال عن معاهد أو آثار تاريخية من هياكل أو صروح أو معاهد أو غيرها مما أصطلح على اعتباره آثاراً تاريخية تمتاز بقيمتها الفنية وبالمناسبات العظيمة التي أنشئت من أجلها؛ ولكنا نريد أن نحدثك عن نوع آخر من هذه المنشآت التي قامت دون مناسبة تاريخية خاصة لتقوم بمهمة من مهام الحياة العادية، ثم استطاعت أن تغالب صروف الزمن، وأن تحمل رسالتها المتواضعة خلال أحقاب وأحقاب، وأن تبقى إلى اليوم قائمة بنفس مهمتها، وأن تكتسب بذلك جلال القديم وروعته
نريد بذلك الفنادق والمقاهي التاريخية
أنه لمن الشائق حقاً أن تنزل في فندق ما، أو تجلس في مقهى أو مطعم ما، فيقال لك إن هذا الفندق أو المطعم أو المقهى يرجع قيامه إلى أربعة قرون أو خمسة، وأنه لا يزال كما نشأ باسمه وأوضاعه القائمة لم يتغير منه شيء إلا ما اقتضاه الزمن من أعمال الصيانة، وإن كثيراً من الشخصيات التاريخية العظيمة قد مرت به قبلك، ونزلت حيث تنزل أو جلست حيث تجلس. إن في ذلك ما يذكي الخيال ويبعث إلى النفس جلالا خاصا هو جلال هذه الأحقاب الطويلة التي مرت بهذه النشأة المتواضعة، وجلال تلك الشخصيات التاريخية العظيمة التي مازالت ذكرياته وأشباحها تطوف بالمكان وتسبغ عليه من روعتها ما لم يسبغه التاريخ