جلس الشيخ في دكانه محزوناً؛ اعتمد رأسه على راحتيه وجعل يفكر: ماذا أنا صانع يا رباه في جحافل النمل التي تهجم على سكري في ظلمة الليل؟ إنها لتأكلني أكلاً إذ هي تأكل قوت عيالي، وإني لعائل أسرة أكاد أنوء بحملها الثقيل؛ لو كانت النمال مما يرعى مبادئ الأخلاق، لناشدتها الضمائر ألا تسطو على ملك غيرها، فحرام عليها أن تستريح بياض النهار في أعشاشها، حتى إذا ما سترها الليل بعتمته، ملأت بطونها مما كد غيرها في جمعه وكدح، حتى تندى منه بالعرق الجبين. لكن - وا أسفاه - ليس للنمل أخلاق يراعيها.
وتحير الشيخ في أمر هذا النمل، كيف يعرف موضع السكر وإنه لخبئ في علبة محكمة الغطاء؛ وأن الشيخ ليغير مكان العلبة كل مساء، فيضعها على الرف مرة، وتحت النضد مرة، ويكسوها باللفائف تارة، ويعلقها في الهواء طوراً. . . لكن النمل يعرف!!
ولمعت فكرة في رأس الشيخ كاد يثب لها من مقعده: أما والله إني لأحمق مأفون، أضع إصبعي في الفخ حتى إذا ما ضغط الفخ على إصبعي، صرخت من ألم! ألم أكتب على الصناديق بيدي هذه البطاقات، تعلن عما في بطونها فلمن كتبت - يا أحمق - هذه البطاقات، إن لم تكن للنمل يقرؤها في الليل، وإنه لذو بصر حديد، فيعرف موضع السكر من الدكان في حندس الليل! لأنزعن من فوري هذه البطاقات عن أماكنها، وكفاني من بلاهتي ما لقيت كفاني. . . ونهض الرجل في حماسة لينزع. . .
لكن لا! لقد لمعت عيناه بفكرة أخرى، فكرة افترت لها شفتاه بابتسامة عريضة، ثم انفجرت بقهقهة عالية. . . أأنا الرجل الذي يغلبه النمل على أمره، وإن عد النمل بالألوف لا بآحاد وأفراد؟ أأنا الرجل الذي يغلبه النمل على أمره ثم لا ينتقم؟ فيم إذن كل مقامي في حلقات العلم أعواماً إن قصرت بي عن ختام العلم فقد دنت منه؟! ويحك الليلة مني يا نمال!.
ونزع الرجل في زهو الظافر السكر ووضعها على علبة الفلفل وكتب الفلفل على علبة السكر.
- سيأتي النمل الليلة أسراباً كهده، وسيقرأ العنوان فيظنه دالاً على مضمون الكتاب، وسيدخل علبة الفلفل وفي وهمه أنه سيجد حلاوة كل يوم، وما كل ما يتمنى المرء (يا نمل)