تحتل نظرية التطور مكانا بارزا بين النظريات التاريخية، وقد تقوى مركز هذه النظرية بعد تطور مفهومالتاريخ، وظهور ما يسمى بفلسفة التاريخ. وقد ابتدع هذه الاصطلاح الفيلسوف الفرنسي الشهير (فولتير) الذي كبت بحثاً طريفا في عام ١٧٦٥، وتناول فيه عادات ونفسيات الشعوب، والحضارة البشرية بصورة عامة، وفلسفة التاريخ الإنساني العام، وجعل عنوان هذا البحث أو (فلسفة التاريخ) ومنذ هذا شاع هذا الاصطلاح حتى أصبح عنوانا لموضوع دراسة قائمة بحد ذاتها، ومذهبا من مذاهب التاريخ.
وخلاصة نظرية فولتير أن التاريخ البشري عبارة عن كفاحمستمر نحو عالم أرقى وبشرية أسمى، وتطور دائمي نحو عالم أكمل، أي أنه سار مع أصحاب نظرية التطور، وساير المتفائلين على الرغم من روح التشاؤم التي عرف بها هذا الفيلسوف. وقد استخدم الفيلسوف الألماني (هيردر) هذا الاصطلاح الذي أوجده فولتير في كتابه القيم الذي سماه (آراء في فلسفةالتاريخ الإنساني) وشاع منذ هذه الحين بين الألمان، ثم انتقل إلى سائر اللغات الأوربية الأخرى.
وشاعت (فلسفة التاريخ) في أوربا وحاول أصحاب هذه الدراسة وضع قواعد وأسس كالتي نراها في العلوم الطبيعية لتحويل التاريخ إلى علم مثل سائر العلوم؛ حتى طغت على الطريقة المألوفة في كتابة التاريخ العام، وظهر منهم من رأى وجوب إخضاع (التاريخ العام) لقواعد فلسفة التاريخ، وتحويل (التاريخ) إلى فرع من فروع الفلسفة أو طريقة من طرق (علم النفس) بحيث نتمكن من الإطلاع على النفس البشرية وروحية الإنسانية منذ عرفت إلى ما شاء الله. وقد وجدت هذه النظرية أنصارا ًوأتباعاً في النهاية القرن التاسع عشر وكونت لها مدرسة كبرى كان من أساطينها الفيلسوف (ريكرت و (سيمل) و (ترولش) و (ديلتاي) و (هايدكر) وعلى رأس هؤلاء جميعا الفيلسوف الكبير (ويندلبند) صاحب المؤلفات المعروفة في الفلسفة وفي فلسفة التاريخ.
والتاريخ في الواقع أهم العلوم التي تتأثر بالعواطف والميول الفردية والجماعية والسياسية العامة للدولة والشعوب، ويمكن أن نقول إنه مرحلة تمهيدية للسياسة العملية، ولذلك تحرص