ولندع هذه الناحية برهة قصيرة لنلقي نظرة عابرة نلم فيها بمكانة المرأة ونلتمس أثرها في المجتمع ليرى القارئ كيف كانوا ينظرون إليها في المجتمع الجاهلي، وذلك إنهن كن في مرتبة سامية ذوات أثر ملموس، يخترن أزواجهن بأنفسهن، ويرجعن إلى منازلهن الأولى إذا سيئتْ معاملتهن أو لم يجدن الراحة المنشودة في حياتهن الجديدة، وكن في بعض الأحيان هن اللائي يطلبن الزواج وفي أيديهن العصمة، وما كن جواري أو متاعا بل كن مساويات لأزواجهن يلهمن الشاعر القصيدة، ويثرن نخوة المحارب في القتال، ويبعثنه على الاستماتة والقوة، ولعل اصل فروسية القرون الوسطى يرجع إلى بلاد العرب الوثنية، وإن الفروسية وامتطاء متن الصافنات حبا في المخاطر وتخليص الأخيذات وإغاثة الملهوف والنساء اللواتي أحاقت بهن المصائب، كل هذه الأمور هي من الطبائع الجوهرية للعربي الصحيح؛ وان لفظ (الفروسية) ليشير إلى راكب الحصان ذو الطبع الشريف، كما أنه لا ينال لقب (فارس) إلا من كانت تجري في عروقه دماء النبل. ولكن نبل النساء لا يظهر أثره من احترام الرجال إياهن وبطولتهم من أجلهن فحسب، بل تنعكس صوره أيضاً في الأغاني والأقاصيص وفي التاريخ؛ من ذلك أن فاطمة بنت الخرشب كانت إحدى ثلاث عرفن يالمنجبات، وكان لها سبعة أبناء، ثلاثة منهن يسمون (بالكلمة) وهم ربيع وعمارة وأنس. وفي ذات يوم أغار حمل بن بدر الفزاري على بني عبس وهي القبيلة التي تنتمي إليها فاطمة، ثم أسرها، ولما أخذ بخطام البعير وابتعد بها عن الحي وأهله صاحت به:(أي رجل ظل حلمك، والله لئن أخذتني فصارت هذه الأكمة التي أمامنا بي وبك - وراءنا لا يكون بينك وبين بني زياد صلح أبداً، لأن الناس يقولون في هذه الحالة ما شاءوا. وحسبك من شر سماعه) قال: (إني أذهب بك حتى ترعي إبلي) فلما أيقنت انه ذاهب بها رمت بنفسها على رأسها من البعير، فماتت خوف أن يلحق ببنيها عار فيها. ومن بين الأسماء