للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأمير خسرو]

الشاعر الهندي الكبير

للسيد أبي نصر أحمد الحسيني الهندي

تتمة

إن الشعر الراقي يشمل طموحا غامضا مائلا إلى اللانهائي؛ ومع هذا يتخذ لذلك من هذا العالم المادي وسيلة، فهو يعطي صوتا لصمت الغرائب التي تبرزها أسرار هذا العالم. وبناء عليه يكون بيت واحد من ذلك الشعر يحتوي على قيادة روحانية وفكرة سامية مؤثرة في النفس إلى قرار سحيق، وهو ما لا تجده في صفحات من النثر، وذلك لأن من لوازم النبوغ الشعري الراقي بصيرة نافذة من ظواهر الأشياء إلى صميمها. فبها يجمع الشاعر الفيلسوف المفلق الكامل حقيقة الأشياء الأصلية في مجموع كامل جديد مؤثر غاية الأثر، وبها يدرك ويرى من مطالع الحق والجمال في هذا العالم ما لا يراه العامي. فإذا عبر عما يدركه ويراه برموز واصطلاحات مادية فهو لا ينويها بالذات، بل ينوي بها تلك الحقيقة العليا الخالدة التي طالما طمحت إليها روحه ونفسه كلما أدرك مظاهر تلك الحقيقة المتنوعة ومناظرها المختلفة في هذا العالم. وهذا الصنف من الشعر هو شعر فلسفي روحاني. ولقريحة خسرو في هذه الناحية إنتاج واسع لأنه كان صوفيا كبيرا. نذكر الأبيات الآتية منه قال:

جان زتن بردى ردرجاني هنوز ... دردرها دادى ودرماني هنوز

آشكارا سينه أم بشكا فتى ... همجنان در سينه ينهاني هنوز

ملك دل كردى خراب ازتيغ ناز ... واندرين ويرانه سلطاني هنوز

هردو عالم خود كفته ... نرخ بالاكن كه ارز انى هنوز

(أخذت روحي من جسمي ولا زلت أنت في روحي، وأعطيتني الآلام ولا زلت أنت الشفاء)

(شققت صدري على الإعلان، ولا زلت أنت مخفيا فيه كما كنت)

(خربت إقليم القلب بسيف الدلال، ولا زلت أنت السلطان في هذا الخراب)

<<  <  ج:
ص:  >  >>