وإنما استعاذ الحكماء من الحديث المعاد لأنه شاهد على انعدام القدرة على الابتكار والابتداع والخلق والإنشاء، ولأنه يدل على استهانة المتكلم بأقدار من يخاطب من الرجال، ولأنه يشهد بأن صاحبه قد لا يعني ما يقول
وصديقنا القديم الأستاذ أحمد أمين موكل بالحديث المعاد ينقله من بلد إلى بلد ومن جيل إلى جيل، وقد صحت فيه كلمة أحد النقاد القدماء في سعيد بن حميد:
(لو قيل لكلام سعيد وشعره: ارجع إلى أهلك لما بقي معه شيء)
وكذلك نقول في كلام أحمد أمين: فلو دعونا مقالاته ومؤلفاته بالرجوع إلى أهلها لما بقي معه شيء!
وما ظنكم برجل يتوهم أن القراء في الأقطار العربية هم جميعاً أبناء الأمس، وما فيهم من قارئ واحد سمع من أخبار الأدب والمجتمع غير ما يتحدث به أحمد أمين؟
وإليكم هذا الشاهد:
كان المرحوم الشيخ محمد الخضري بك ألقى محاضرة منذ خمسة وعشرين سنة عن تطور المجتمع المصري، وقد نص في تلك المحاضرة على الخطأ الذي ارتكبته مصر حين سمحت بأن ينقسم التعليم إلى شعبتين: شعبة دينية وشعبة مدنية، وقال: إن هذا يعرض مصر لشهود الصراع بين طائفتين تختلف عقلياتهم أشد الاختلاف
وقد سمعت هذه المحاضرة وسمعها الأستاذ أحمد أمين، فهل تعرفون ما الذي وقع؟
وقع أن الأستاذ احمد أمين فهم أن الشيخ الخضري مات منذ أكثر من عشر سنين، وأن الذين سمعوا تلك المحاضرة منذ خمس وعشرين سنة قد أنستهم الأيام ما كان في تلك المحاضرة من آراء
وكذلك أعد القلم والدواة والقرطاس ليحدث قراء (الثقافة) بأن مصر ارتكبت جرماً فظيعاً حين سمحت بأن ينقسم التعليم إلى شعبتين: شعبة دينية وشعبة مدنية، وأن هذا عرض