إلى البصرة، إلى البصرة! إلى المدينة التي تجري من تحتها الأنهار. إلى مهد ليلى يطيب الإسراء
ولكن لا بد من السلام على ليلى قبل الرحيل، فقد صبرت النفس عن لقائها ثلاثة أيام، بسبب حادثة وجدانية لا أجرؤ على تدوينها في هذه المذكرات، وهي حادثة ضجت لها أرجاء العراق؛ ولكن لا موجب لتدوينها، لأني أحب أن تموت وهي في المهد، فقد تطويني طياً فأخرج من خدمة الحكومة المصرية وأفتح مكتب تصوير في بغداد؛ وفي مصر رجل عظيم يعرف ما أعني، ويفهم كيف تستطيع هذه الحادثة أن تهدم ما بنيت من آمال.
وأشهد أني كنت املك نسيان ليلى أسبوعاً أو أسبوعين، ولكن وقع ما لم يكن في الحسبان
وتفصيل ذلك أني رجل محزون، محزون، محزون، ولو شئت لكررتها ألف مرة، ولكني من أقدر الناس على الفرار من أحزاني. ولعلي أشبه الرجال بالشاعر الذي يقول:
جنَت عليَّ الليالي غير ظالمةٍ ... إني لأهلٌ لما ألقاه من زمني
فما رأيتُ من الأخطار عاديةً ... إلا بنيت على أجوازها سكنى
ولا لمحتُ من الآمال بارقةً ... إلا تقحّمتُ ما تجتاز من قُنن
أَحلْتُ دنياي معنًى لا قرار له ... في ذمة المجد ما شرَّدت من وسن
ولكن أحزاني تحقد على تجلدي أبشع الحقد فتجمع جيوشها وتهجم علي من حين إلى حين، وقد انتصرت في هذا اليوم مع الأسف الموجع، فلم أجد مفراً من السلام على ليلى، علها تجفف دموعي وتبرد أحزاني
إليك يا ليلى المرجع، وإليك يا ليلى المآب
دخلت على ليلى في العصرية لأقضي في رعايتها أربع ساعات إلى أن يحين الموعد لقطار البصرة فماذا رأيت؟ ماذا رأيت من ليلى ربة العطف والحنان؟