أخرج اليوم من معتزلي إذ سمعت ضجة حسبتها ضجة معركة حربية، وتحركت نفسي لمرأى ميدان تلك الضجة، فعز علىَّ أن أرى الصرعى يئنون من الألم وجراحهم تجري بالدماء، وأن أرى العماليق تزأر، وترغي وتزبد، وسيوفها تقطر من دماء ضحاياها؛ وعولت على أن أنزل إلى الميدان لألقى فيه نصيبي من الأذى إذا لم يتح لي أن أنصر ضعيفاً أو أنتصر لمظلوم.
وقد يحسب قارئ أني أهزل في قولي - ولا بأس عليه إذا هو ظن ذلك - فإني لا يضيرني أن يحسب قارئ أني أهزل، ما دام لا يظن فيّ أني أسخر منه أو من سواه، فأني لا أحب أن يظن أحد في أنني اسخر منه، فان السخرية مُرة الطعم، وقد ذقتها فوجدت قبحها فوق كل قبح.
ولكني مع ذلك أرجع إلى نفسي فأقول: إنني لا أخشى من أن يظن أحد فيّ أنني أسخر، فقد طالما سخر كبار الأدباء من قرائهم، ولا يزيد قراؤهم مع ذلك إلا إعجاباً بهم؛ بل إن بعض شيوخ الأدب قد زاد وبرز في ذلك الباب إلى أن قال لقرائه في صراحة عجيبة إنه يسخر منهم، وإنه عالم بأن القراء لا يعجبون بالكاتب الأديب أشد الإعجاب، إلا إذا تفنن في السخرية بهم. فلا بأس عليّ إذن إذا حسب أحد القراء أنني ساخر، فإنني قد أصل بذلك إلى إعجابه وإكباره.
وإني هنا قاصد إلى الأدباء أدعوهم إلى اتباعي والأخذ برأيي، بعد أن شهدت صرعاهم في النضال الأخير مع مشيخة الأدب وكباره. وقد يقول قائل وكيف تجعل نفسك بين الشبان وقد بلغت من السن فوق مبلغ الشبان؟ ولكن ذلك القول لن يثنيني، فأني لا أردع بمثل هذا العنف، وإني لا تزال فيّ بقية من الشباب تكفي لان تبرر مدخلي فيهم وانخراطي في سلكهم. على أن الأديب لا يعد شابا إذا كانت سنه من الشباب، فان الشباب والشيخوخة في الأدب لهما اصطلاح خاص واعتبار موضوع. فالأديب الشاب هو الذي لم يبلغ من الشهرة مبلغاً مذكورا ولو كان قد نيف على الخمسين؛ والأديب الشيخ هو من ضرب اسمه في الخافقين ولو لم يكن ممن بلغوا سن الثلاثين أو الأربعين. وعلى هذا فأنا شاب في عرف