نشرت في (الرسالة) الماضية ترجمة المقدمة المنثورة التي كتبها شاعر التركالأكبر للمرثية الكبرى التي رثى بها زوجه فاطمة وسماها (المقبر) ووعدت أن أنشر في هذا العدد مثالا من شعر هذه المرثية. ولا أكتم القارئ أنى حين وضعت الكتاب أمامي (وهو زهاء ألف بيت تدفق بها قلب الشاعر الحزين على غير ترتيب) لم أدر كيف أختار: الرسالة لا تتسع للإسهاب، والإيجاز لايفي بالإبانة. ولولا وعد لقراء الرسالة سبق ما كلفت نفسي هذا الشطط. عبرت الكتاب أنتقي من صفحاته، أبدأ ترجمة الفكرة ثم يضطرني إطناب الشاعر إلى الوقوف دون غايتها. وأجد البيتالفرد البديع مكملا ابياتا كثيرة فلا أستطيع أن أترجمه وحده، ولا أن أترجم كل ما اتصل به، على أن في بعض الأبيات إبهاما وغموضا وفي بعضها اضطرابا. وقد وصف الشاعر كتابه في المقدمة التي يذكرها القارىء، وقد ترجمت عجلان حين ضاق الوقت، حتى أرسلت المقال بالبريد على قطعات، من خوف (الزيات):
أواه لم يبق الحبيب ولا الدار، وبقى قلبي ملؤه الأحزان والأكدار. كانت هنا الآن فصفرت منها اليد؛ جاءت من الأزل وذهبت إلى الأبد.
ذهبتُ وبقيت هي ترابا، وحلت رفاتها قفرا يبابا. أواه إنما بقى من أنس القلب الكريم، قبر في بيروت مقيم.
أين أين أفتش عن هذا الحبيب؟ ومَن أسائل عن هذا الغريب.
ياربَّ! أين أين هي: في الأرض أم السماء؟ ربّ! من قذف بي في هذا الشقاء؟
يقولون: إنس خِلّ الوفاء، فقد سلك طريق البقاء. هل يسع الخيال هذهالحقيقة، وهل ترى العين هذه الفجيعة؟
ما أسرع ما انقلبت بي الحال! انقلابٌ لا يصدقه الفكر والخيال. أرى شيئا، أراه يشبه القبر! ويشبه الحبيب حين أنعم النظر.