قطتي بيضاء الصدر، قرنفلية الأنف. زرقاء العين، تعيش معي على خير ما يكون الصديق لصديقه. إن نمت نامت تحت قدمي. وأن جلست على كرسي أكتب جلست هي علي متكئة تحلم، وإذا مشيت في الحديقة تتبعني وإذا أكلت زاحمتني، فحالت (أحياناً) بيني وبين لقمتي. أستودعني ذات يوم صديق لي ببغاء أخضر ريثما يعود من سفره. فأستوحش من منزلي، وشعر أنه غريب، فتسلق القفص حتى أعلاه، ثم جثم ساكتاً مرتعداً.
وكانت قطتي لم تر ببغاء قط، فكان مخلوقاً جديداً أمام عينيها، أدهشها منظره فكانت أشبه بقطة محنطة من آثار الفراعنة، وأستغرقت في التأمل كأنها تستعيد في ذاكرتها كل ما درسته من التاريخ الطبيعي على سطح الدار وفي حديقة المنزل؛ وكان ما يدور بفكرها يتجلى في نظراتها حتى لأستطيع أن أتبين من عينيها خلاصة أفكارها كما لو كانت تعبر بقول بليغ ومنطق فصيح. كانت كأنها تقول:(ليس هذا المخلوق دجاجة خضراء) ولما بلغت من درسها هذه النتيجة تركت المائدة حيث كانت ترصد الببغاء وربضت في ركن من أركان الحجرة مبسوطة الذراعين مطرقة الرأس ممطوطة الظهر، كأنها نمر يتربص غزالا ورد الغدير.
كان الببغاء يتتبع حركاتها في اضطراب، وقد نفش ريشه ورفع ساقه المرتعشةوسن منقاره على إنائه الذي يأكل فيه، وهدته غريزته إلى أن هناك عدواً يدبر الكيد له.
ثم أخذت القطة تسدد إلى الببغاء نظرات حادة وهو ينظر إليها فاهما حق الفهم ما يجول بخاطرها. فكأنها كانت تقول (لا بد أن تكون هذه الدجاجة لذيذة الطعم على الرغم من أنها خضراء).
وكنت أرقب هذا المنظر باهتمام موطناً نفسي أن أتدخل عند الحاجة.
ثم دنت القطة من الببغاء وأنفها القرنفلي يرتعد، وعيناها تضيقان، وأظافرها تنقبض وتنبسط، وعمودها الفقري يرتفع وينخفض، وأخذت تمني نفسها قرب الحصول على طعم لذيذ، كما يمني الشره نفسه إذا دعي إلى مائدة صفت عليها ألوان الطعام الشهي.