مشى كعادته كل صباح إلى ساحة المدينة بخطوات الفيلسوف الحكيم، وأقبل عليه الناس فحمد الله وشكر، ثم حدجهم بنظراته القوية الصافية العميقة، فأنشق ألف حجاب، وانقلب الظل شعاعاً وتجلت الفلسفة، وعبق الجو بالروحانية، وفاح عطر الحكمة. . .
وسأله واحد من الجمع:
حدثنا أيها السيد فقال:
- جميل أن تضحوا بنفوسكم في سبيل المثل العليا، وأجمل منه أن تبقوا أحياء لتكملوا أداء الرسالة الروحية. . .
جميل أن تحترقوا ليستضاء بكم ويهتدي بنوركم، وأجمل منه أن لا تضرموا فيكم الأحطاب لتنقذوا من تأكله النار، وتقطعوا عنه ألسنة اللهب.
لا تغرقوا أنفسكم في بحر الوجود ليتسنى لكم أن تنقذوا الغرقى. . وكلما أنقذتم غريقاً وأقفلتم في وجهه باب الموت فتح لكم باب في السماء. . .
أبقوا المناجل في أيديكم لتحصدوا حصادكم. . . إن الحياة ليست بمعطف تلقونه بسرعة وخفة عن أكتافكم، ولا هي قطعة النقد ترمون بها في الخزانة. . إن للحياة طعما ووزناً. . أن لها حوضاً من مائها لا يجوز لكم أن تفرغوه في لحظة لتسقوا الأرض مهما أشتد جفافها وطال. . . إن مياهكم تنبع من صدر الله. . الحياة أمانة في أيديكم فمن جازف بها خان الأمانة وإن ارتدت خيانته ثوب الصدق الإخلاص. . .
وسأله آخر: ما هي كلمتك في الكبرياء أيها الحكيم فقال
- لا صغير ولا كبير في الكون. . . كل شعاع من الشمس شمس مقتضبة وكل قطرة من البحر بحر بليغ، وكل حبة من الرمال صحراء مكبوتة، وكل نسمة في الأثير أثير ينطوي على نفسه. الجزء في الكل والكل في الجزء، والكل واحد. . . إن في الذرة الصغيرة ما في الأفق الذي لا حد له، هما صفحتان في كتاب وعينان في وجه. . .
ليس لأحد أن يشمخ على الآخر:
الحجر يقول للجدار: لولاي لم تكن، والجدار يقول للحجر لولاي لم تلق وسادة تلقى عليها