للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الأدب الإنجليزي الحديث]

د. هـ. لورنس

للأستاذ عبد الحميد حمدي

الرجل كابن ومحب

قابل بول فتاة أحلامه، وشعر بقلبه يخفق نحوها، وحاول أن يتصل بها فما أمكنه ذلك، لأنه كان عشيق أمه وخلها الوفي، وفي الوقت نفسه كانت الفتاة التي قابلها وليدة العصر الحديث وثمرته، ترى في الجنس عدوها اللدود، وترى في الرغبة الجنسية الشر الذي لابد منه. وكثيراً ما صرحت لبول برأيها في العلاقة الجنسية، ومن ذلك قولها له: (إن الزواج لا بأس به، ما خلا هذه العلاقة فلولاها لكان نعيماً ليس بعده نعيم، ولكن ما قدر يكون وليس علينا إلا الإذعان).

وبدل أن يكون الحب مصدر سعادة البنت وينبوع هنائها، صار سبب آلامها وأساس عذابها، فصارت تقضي جل وقتها واجمة مطرقة، تفكر وتمعن في التفكير، وكلما فعلت ذلك تضاعفت آلامها وزادت.

أحب بول ميريام وهام بها لكنه كان يريد أن يحبها حب الرجل للمرأة، ولكنها ما كانت لتستطيع التفكير في العلاقة الجسمية، وحتى القبلات الحارة كانت تؤلمها أيما إيلام. كان بول يفهم ذلك من حبيبته فما حاول أن يؤلمها أو يعذبها، وفضل أن يكبت غريزته على أن يجرح فيها تلك النقطة الحساسة. أما هي فشعرت برغبته الملحة إلى جسمها حتى دون أن يبديها بكلمة. أدركت الفتاة ذلك فأعطته ما يريد، أعطته إياه وهي تشعر بثقل التضحية التي تقدمها له، وهبت له جسمها، لا كما تهب المرأة جسمها للرجل ولكن كما توهب الضحية للآلهة. لم تكن تريد هذه العلاقة الجنسية، ولكنها كانت تريده هو، ولا سبيل إلى الاحتفاظ به إلا إذا أعطته ما يريد. وهذا ما دعاها للخضوع لمشيئته والاستسلام لرغبته. وإن ينس بول فلا ينس ذلك اليوم الذي أسلمت فيه له نفسها. لقد راعه في بادئ الأمر جمالها، فرأى فيها مثال الجسم الناضج الصحيح، فشعر بالدم يتدفق حاراً في عروقه، وأحس بجسمه يحن إلى الاتصال بها، فتقدم منها خطوة واحدة ثم وقف في مكانه لا يستطيع حراكاً. لقد رآها

<<  <  ج:
ص:  >  >>