للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القدر والقصص]

(بمناسبة شقاء أشخاص روائيين)

للأستاذ عبد المجيد مصطفى خليل

في عام ١٨٥٠ قدمت شارلوت برونتي الطبعة الثانية من قصة أختها إميلي برونتي المسماة مرتفعات وُذَرِنج بمقدمة جاء فيها:

(لا أدري أكان صواباً أو ملائماً أن تخلق كائنات مثل هيثكليف، ويصعب أن أظن ذلك، لكنني أدري أن الكاتب الذي يملك الموهبة الخالقة يملك شيئاً لا يسيطر دائماً عليه - شيئاً يريد ويعمل لنفسه بغرابة أحياناً، فقد يضع (الموهوب) قواعد ويبتكر مبادئ، ثم ترقد (موهبة الخلْق) أعواماً في خضوع لهذه القواعد والمبادئ؛ وعندئذ، ومصادفة وبغير إنذار بالثورة، يحين وقت لا تعود تقبل فيه أن (تَسْلفَ الأودية، أو تربط برباط في خط المحراث) - حين (تضحك من زحام المدينة، ولا تهتم بصياح الحوذي) - حين ترفض كل الرفض أن تصنع من رمل البحر حبالاً لحظة أخرى، وتشرع تنحت التماثيل فتجد (أنت) صورة من بلوتو أو جوف وتيسيفون حورية ماء أو مريم كما يوجِّه القدر أو الإلهام. وليكن العمل عنيداً أو مجيداً، مفزعاً أو سماوياً، فإن لك اختياراً ضئيلاً متروكا، غير أنه اختيار هادئ ساكت. أما أنت أيها الفنان الاسمي (الصوري) فإن نصيبك منه كان أن تعمل مستكيناً بإرشاد لم تفهمه، ولا استطعت أن تستوضحه - إنه لا يلفظ في صلاتك، ولا يُلغى أو يغير على هواك. فإن كانت النتيجة خلابة، فسيمدحك العالم أنت الذي تستحق من المدح قليلاً؛ أما إن كانت تشمئز النفس منها، فإن العالم نفسه يلومك، أنت الذي تستحق من اللوم قليلاً كذلك)

وفي عام ١٩٣٠ قدم هـ. و. جَرُد لطبعة هذا العام من هذه القصة، بمقدمة أيد فيها شارلوت في تفسير قسوة القصة بالقضاء والقدر أو الإلهام، وقال:

(إذا لم يمكن وصف قصة مرتفعات وذرنج بأنها أعظم قصة (غير مسرحية) في لغتنا، فإن لها على الأقل أن تدعونا بعدل إلى اعتبارها أصفى قصصنا إلهاماً؛ وقد أحسنت شارلوت برونتي كشف قوتها العجيبة إذ تكلمت على (القدر أو الإلهام) (إلى أن قال): ليست الطبيعة، بل القدر، يبدو أنه أخذ القلم من الكاتبة، وكتب لها. (حتى قال): لو كان مدبر

<<  <  ج:
ص:  >  >>