رأينا كيف نشأت الوطنية الاشتراكية الألمانية واستمدت قوتها من عوامل اليأس والفوضى التي غمرت الشعب الألماني عقب الحرب، ومن مختلف المصائب والمتاعب التي توالت عليه من جراء شروط الصلح وأعبائه، ومن تفاقم الخطر الشيوعي، وفشل الديموقراطية والنظم البرلمانية في معالجة الحالة وتسيير الشؤون، من تفاقم العطلة والأزمة الاقتصادية؛ هذا من الناحية السلبية، وأما من الناحية الإيجابية فإن وعود الوطنية الاشتراكية في العمل على تحقيق وحدة ألمانيا وسلامها ورخائها؛ ومكافحة الخطر الشيوعي وحل مشكلة العطلة، وإنهاض الزراعة والصناعة والتجارة ومعالجة الأزمة الاقتصادية بوجه عام؛ ثم في تحرير ألمانيا من عسف الظافر ومن أعباء معاهدة الصلح؛ كانت كلها تبث الأمل والانتعاش في الجموع وفي الشباب بنوع خاص، وتحشد خول علم الوطنية الاشتراكية ملايين الأنصار.
والآن لنر كيف عملت الوطنية الاشتراكية لتنفيذ برنامجها الداخلي منذ قبضت على مقاليد الحكم في ٣٠ يناير الماضي.
لم تمض أسابيع قلائل حتى استأثر الهر هتلر وحزبه بكل سلطة حقيقية، وغمر تيار الوطنية الاشتراكية ألمانيا من أقصاها إلى أقصاها، وبدأت ككل حركة ثورية تنفذ برنامجها بمنتهى العنف والسرعة. فوجهت ضرباتها الأولى إلى الشيوعية والديموقراطية؛ سحق الشيوعية أو الماركسية من غاياتها الرسمية كما بينا، ولكنها اتجهت إلى سحق كتلة اليسار كلها باعتبارها مسئولة عن كل مصائب ألمانيا منذ خاتمة الحرب؛ وجدت في مطاردة الحزب الشيوعي فمزقته أبلغ تمزيق وصادرت مراكزه وأمواله وصحفه ونشراته، واعتقلت كل زعمائه ونوابه وأنصاره، وسحقت دعايته بكل ما وسعت، ومزقت الحزب الديموقراطي الاشتراكي أعظم الأحزاب البرلمانية منذ نهاية الحرب، ونكلت بزعمائه ونوابه وأنصاره، واعتقلتهم كالشيوعيين آلافاً مؤلفة، وصادرت كل مراكزه وصحفه، واختفت الشيوعية والديموقراطية من ألمانيا بسرعة مدهشة، في الظاهر على الأقل؛ وحققت الوطنية الاشتراكية الألمانية في ذلك ما حققته الفاشستية الإيطالية يوم قيامها، بيد أنها كانت أشد