المنابع الثرة التي تفيض منها جداول التفكير البشري قاطبة هي في حقيقة الأمر واحدة؛ وهذه المنابع الفياضة هي هذه العواطف المشاعة بين بني الإنسان كافة من سرور وحزن وحب وبغض، وأمل وألم. الخ.
فهذه العواطف المشاعة بين كل الناس وهي التي تسيطر على اتجاهاتهم النفسية فتنعكس صورها على - مرايا - ما ينطقون وما يكتبون، والاختلاف والتمايز في الكتابة والمنطق إنما يجيئنا من بعد ذلك فهما ينتجان من طرق التعبير والتصوير، ومقدار استيعاب الفكر والقلم لما تلتقطه عدسة المخيلة من صور وأشباح وانطباعات وتأثرات. وفي هذا الميدان تتبارى فرسان الكلام، فيتقدم سابق، ويتأخر لاحق؛ وفي هذا المجال نتعرف بلاغة البليغ وإسفاف المسف ولون كل منهما. ذلك لأن لكل واحد منهم مشربه الخاص لا يشاركه فيه سواه وإن اتحدت الغايات والمعاني في أغلب الأحيان. وعلى هذا فإننا إذا وجدنا مقالتين أو قصيدتين اتحدتا في كل شيء في اللفظ والأسلوب والمعنى فيحق أن يستوقفنا هذا الاتحاد. لأنه إما أن يكون منشؤه من (توارد خواطر) نادر المثال. أو من هجوم أحد الكاتبين أو الشاعرين على نتاج زميله وهذا ما يدعى بالسرقة في اصطلاح أهل البيان
أثار هذه الخواطر سياحة عملتها في ديوانين حديثين هما (الملاح التائه) للأستاذ الشاعر المبدع علي محمود طه. و (نسمات الربيع) للأستاذ صالح الحامد العلوي
وبحق أقول، إن كلا الديوانين خصب ممتع للنفس والفكر، وكلا الشاعرين مجدد أو يحاول التجديد فيما هو بسبيله. وقد راقتني في أثناء (سياحتي) هذه قصيدة في أول الديوانين بعنوان (غرفة الشاعر) تبدت لي في جمالها الخاص واتساقها وروعة فنها كالروض الأغن باكره الغيث في أيام الربيع فابتسمت زهوره من فوق الغصون فتنة للناظرين
وقد تلوت هذه القصيدة مراراً فيما بيني وبين نفسي وأنشدتها تكراراً لبعض زملائي من الأدباء. وحازت من إعجابنا جميعاً ما جعلنا نبتاع الديوان الذي يضم (باقتها) العاطرة تقديراً لأريجها الفواح