ثكلت تونس، بل الأدب العربي عامة، أديباً عبقرياً فذاً كان منتظراً منه - لو امتدت حياته - ان يكون كوكباً لامعاً في سماء الأدب العربي الجديد، بل دعامة قوية ترتكز عليها المدرسة الحديثة للشعر العصري. ذلك هو الشاعر المبكى على شبابه أبو القاسم الشابي
ولد أبو القاسم الشابي عام ١٩٠٩ في (مدينة توزر) عاصمة الواحات التونسية الجميلة بالجنوب، من إسرة ذات مجد، وكان أبوه الشيخ محمد بن أبي القاسم الشابي قاضياً شرعياً تنقل بوظيفته في مدن مختلفة. وهو من قبيلة كبيرة ذات تاريخ حافل تدعى الشابية
أما حياة الشاعر الفقيد فليس فيها من الحوادث ما بهم كثيراً لقصرها، فلم يتخط فجر شبابه الغض، ولم يطو الخمسة والعشرين عاماً بعد؛ إلا أن هذه الفترة الصغيرة في تاريخ نموه الفكري ذات خطر عظيم، ذلك أن المذهب الذي ذهب إليه في نظم أشعاره مذهب فذ لم يظهر منه في الشعر العربي إلا النادر
وليس في مراحل تعلمه التي قطعها بغاية الفوز والنجاح شئ غير عادي، فهو كأمثاله الكثيرين قد حفظ القرآن في طفولته، والتحق بجامع الزيتونة بتلقى علوم العربية على الأساليب القديمة من المتن والشرح والحاشية، وعلوم الشريعة الإسلامية كالفقه والأصول والتوحيد، إلى أن كان الامتحان النهائي فتخطاه عام ١٩٢٦ ونال الشهادة المسماة بالتطويع
والتحق بعد ذلك بمدرسة الحقوق التونسية فاجتاز امتحاناتها وحصل على إجازة الحقوق، ثم لم يتركه مرض الصدر يتمم دراسته، فانقطع عن التعلم من ذلك الحين والتفت إلى معالجة هذا المرض العضال الذي معه يغاديه ويراوحه حتى ذهب في يوم ٨ أكتوبر بحياته الغضة
لم يدرس أبو القاسم لغة أجنبية، ولم يكن له من الزمن ما يسع طول الدرس ومطالعة المترجمات، فقد كان أطباؤه ينهونه عن كد ذهنه والاشتغال بالأعمال الفكرية، وتلك لعمري آية عبقريته النادرة، ومعجزة نبوغه الفريد
كان جباراً متمرداً على القديم، وكان في الوقت ذاته رقيق الإحساس مشبوب العاطفة، لا يستمرئ المنازعات والمشاكسات، فكان من جراء ذلك تفاعل بينه وبين بيئته، تلمح آثاره