بعد ساعة أو بضع ساعات من سقوط القنبلة الذرية على هيروشيما كان الجنس البشري كله مدهوشاً من هذا الحادث الهائل المفاجئ - أجل مفاجئ - من ألوف الطائرات ترمي ألوف الأطنان من المتفجرات فتدك أحياء المدن حياً حياً إلى طيارة واحدة ترمي قنبلة واحدة تزن رطلا واحداً، فتدك مدينة واحدة عظيمة في لحظة واحدة دكَّا فظيعاً - خبر لا يكاد يُصدَّق. ولكن العالم كله صدقه، لأن هوله لمع في جميع البلدان وأقام البرهان وحتَّم الإيمان وضعضع البهتان. والمرء يجزع من خوارق الحدثان التي تمثل في مخيلته قصص الجان.
بقيناً انتقل العالم من عناء مناوشة المتفجرات إلى تحت سلطان الذرة الحاسم؛ بكلمة واحدة من لسان الأورانيوم خرّت اليابان على ركبتيها ضارعة مستغيثة تلتمس الرحمة والرفق.
لو توقف مخترعو قنبلة الذرة منذ شرعوا في محاولة صنعها لخرت ألمانية ساجدة منذ سنة ١٩٤٠ وحُقِنتَ دماء كثيرة.
أصبح البشر الآن خائفين على مدينتهم أن تبيد بتاتا، وعلى حسبهم أن ينقرض كما انقرض قبله الدينوسور وحيوانات أخرى.
صار الناس يحسبون حساب المستقبل الجديد - نعم سيكون المستقبل كله جديداً. وسيصبح حاضرنا كأنه ماضي ما قبل التاريخ كما كان العصري الحجري بالنسبة إلى عصرنا ما قبل التاريخ.
عصر مجد الكيمياء انقضى وجاء عصر سؤدد الذرة الكهربي. وأصبح اكتشاف الكهربائية درجة للصعود إلى عالم الذرة، كما صار عصر البخار كالحمار لدى عصر الطيار.
القنبلة الذرية لم تفتح فصلا جديداً في كتاب العلم بل فتحت دائرة معارف جديدة، وفتحت فصلا جديداً في الثقافة، سيضاف إلى مناهج الدراسة في الجامعة منهاج جديد للتخصص في (علم الذرة).
في عام أو بضعة أعوام سيرى طلبة الطبيعية والكيمياء لديهم كتاباً مطولا في علوم الذرة - بناؤها وتركيبها وتحليلها ووظائف أعضائها وقواها ومفاعيلها إلى غير ذلك. ولا بد من