لم يعن العرب في فتوحاتهم الأولى بتعيين الأمم والأجناس الأجنبية تعيينا واضحا، وإذا استثنينا الفرس والروم والقبط والبربر والقوط، فإن هذا التصنيف للأمم والأجناس الأجنبية يتخذ في الرواية الإسلامية صفة التعميم الغامض، فنجد كلمات (الأعاجم) و (النصارى) و (الفرنج) تطلق على أمم وأجناس متباينة لا يمكن تحديدها وتعيينها إلا على ضوء الحوادث والظروف؛ بل نجد كلمة (الروم) ذاتها تطلق في الرواية الإسلامية الأولى على الرومان وعلى سكان الدولة الشرقية (الدولة البيزنطية) اليونانيين أحياناً على سكان المستعمرات الرومانية مثل الشام وطرابلس؛ وتطلق كلمة الفرنج لا على أمة الفرنج (الفرنكيين) وحدها، بل على معظم الأمم والممالك النصرانية التي كانت تعيش يومئذ في غرب أوربا وفي وسطها؛ ولم تعن الرواية الإسلامية بالتصنيف والتحديد في هذا الميدان إلا منذ القرن الثالث الهجري، وفي القرن الرابع نجد هذا التصنيف القومي أكثر وضوحا سواء من حيث اللفظ أو المعنى، فنجد الرواية الإسلامية تحدثنا عن الفرنج والألمان (الألمان) والبلغار والروس والصقالبة، وعن انكبردية (بلاد اللومبارد) والفرنسة وبريطانية؛ وهذا التقدم في تصنيف الأجناس والأمم يرجع إلى تقدم مماثل في الجغرافية الاسلامية، وإلى تقدم العلائق والصلات الدبلوماسية والتجارية بين الأمم الإسلامية والأمم النصرانية
وقد كانت كلمة (الصقالبة) من أغمض الكلمات التي أطلقت في الروايات الإسلامية على الأجناس الأجنبية الدخيلة؛ ولم يبق اليوم ثمة غموض في تعريف البلدان والأمم الصقلبية، فهي تشمل قسما من بلاد البلقان وتشمل صربيا ورومانيا وروسيا حتى الشرق الأقصى وبولونيا وتشيكوسلوفاكيا وشرق ألمانيا؛ وبعبارة أخرى هي الأمم التي تعرف اليوم بالأمم (السلافية) أو السلافونية ; ولكن كلمة (الصقالبة) في الرواية الإسلامية كانت بعيدة جداً عن أن تشمل مثل هذا التصنيف الواسع، ومع أننا نراها مستعملة في الرواية الإسلامية منذ القرن الثاني للهجرة، فأنها لبثت دائما لفظا غامضا متباين المعنى. فمثلا يستعملها البلاذري، وهو من أقدم رواة الفتوح الإسلامية في أكثر من مناسبة؛ فيقول لنا إن المنصور (نقل