للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قسطاكي الحمصي]

اسلوبه في الكتابة النثرية

للأستاذ أسعد الكوراني

ليس الكلام في أدب الأستاذ فسطاكي بك الحمصي بالأمر السهل ولا هو بالمطلب اليسير، فالخطباء كثيرون والوقت محدود وأدب المحتفى به، أطال الله بقائه، متشعب النواحي فليس في طوق خطيب أن يلم به في دقائق معدودة. لذلك سأقصر كلمتي على أسلوب الأستاذ في الكتابة النثرية.

يقولون أن أسلوب الرجل صورة عن نفسه. وليس أصدق من هذا القول في التعبير عن الأدب الصحيح. فالأدب مظهر لما تختلج به النفس وتشعر به وتدركه عن طريق العاطفة والعقل. والأديب يؤدي رسالته وقد أذاب ما رآه وأحس به في بوتقة نفسه، فلا بد من أن يجئ أسلوبه قطعة من ذاته.

كل من قرأ للأستاذ قسطاكي بك الحمصي ما خطه يراعه منذ ستين عاماً إلى هذا اليوم يرى في كتابته النثرية قوة في اللغة وصحة باللغة في التركيب والتعبير. وهذه صفات تكفي وحدها لتخليد صاحبها، وقلّ أن اجتمعت في فجر نهضتنا الأدبية الحديثة إلا لأفراد معدودين. ولكنه يجد إلى جانب هذه الصفات صفة أخرى ينفرد بها الأستاذ بين أقرانه، ويندر من يشايعه فيها من أترابه وأنداده، وهي التأنق في الأسلوب. فكأني بالأستاذ لا يرضى من قلمه أن يأتيه بالناصع المشرق من صحيح الكلام وبليغه، بل يريد إلى جانب ذلك أن يكون بيانه عنواناً للروعة والجمال. فهو كالنحات الماهر يستخرج من الصخر الجامد ما يهز الشعور بحسنه وجماله.

ولقد قرأت ما كتبه الأستاذ في شبابه وكهولته وشيخوخته فما شذ أسلوبه عن هذه الصفة في أي دور من أدوار حياته.

نعم قد يختلف أسلوبه قوة وجمالاً في بعض ما كتب عن بعض؛ ولكن طبيعة التأنق كانت بادية على كل آثاره.

ولقد تشرفت يوماً بزيارته ومعي صديقي الأديب جورج اسطنبولية فسمعت من حديثه العذب الفياض، ورأيت من ملبسه وهندامه، وشاهدت في حجرته وعلى منضدته من الأثاث

<<  <  ج:
ص:  >  >>