إن ظهور رواية شارلس مورجان (صورة في مرآة) ونفاد طبعتها في بضعة أيام، من شأنه أن يوجه أنظارنا إلى كاتب قصصي برز فجأة بين المؤلفين العصريين، وامتاز بعبقرية فذة تجلت في سطور هذه الرواية كما تجلت في روايته الأخرى (النافورة) التي هتف لها النقدة ورفعوها إلى الصف الأول بين الروايات التي ظهرت عقب الحرب الكبرى.
فبينما يحدثنا المؤلف عن هذا النوع الجديد من التصوف (حياة التأمل - الذي يحيط بفصول روايته كهالة من القداسة، ويحلق بنا في الأجواء التي تخلد فيها أرواح وآرسطو وأفلاطون وديكارت، إذ نراه في فصل آخر ينزل بنا إلى التحدث عن علاقة الأجساد بالشهوة، أي يعود بنا آدميين تحكمنا غريزة الجنس وتطغى على ميولنا وعواطفنا، فيصف في صراحة مخيفة التبشير باللذة الجنسية وأثرها في العلاقات الجنسية وصفاً هو أشد وقعاً من الفن الذي ابتدعه الروائي الإباحي د. هـ. لورانس.
كان القصصيون إلى العصر الفكتوري يهتمون كثيراً بصنع قوالب لشخصيات شاذة ثم يصبون ماء الحياة فيها ويحملون القارئ على أن تعلق هذه الشخصيات بذاكرته، وكثيراً ما كانوا يملئون صفحات مملة باردة يصفون فيها نشأة أبطالهم وعوائدهم وطباعهم ونظرتهم إلى الحياة والدين والأخلاق، ثم تنتهي الرواية بترجيح كفة الخير على الشر. وكان اهتمام الروائيين في عصر الملك إدوارد موجهاً إلى تسجيل الحركات والدوافع والفضائل، وكانوا يلقنون البطل أقوالاً يعرب بها عن عقائدهم وأفكارهم ونزعاتهم ودروساً وعظات أخلاقية، أما الفن الروائي الحديث فيختلف عن هذا كله وينحو منحى جديداً، فقد جعل كتابه من أهم مظاهره تقريب الحياة إلى ذهن القارئ بأن يشعر كأنه يعيش في نفس البيئة والجو، كما يهتمون بتسجيل حركات شخصيات رواياتهم وخواطرهم ومشاعرهم والخفية ورسم أطياف أحلامهم وذرات تفكيرهم وارتباطها بنشاط العقل وإبراز العبقريات المدفونة وتقديسها،