فالرواية الحديثة حوض بلوري تسبح فيه الرغبات والآمال، والأفراح والأتراح، وتشف من جوانبه الهواجس والأحلام. . . .
ونحن نشعر لأول وهلة بعد مطالعتنا لقصص شارلس مورجان بهذه الصفات جميعاً، وبقوة جذابة في الأسلوب وفي اللهجة، قوة هادئة منظمة تسيطر على الأعصاب وتبدو من خلالها صفات المؤلف التي لا تمت مطلقاً لا إلى الواقعية ولا إلى التحليلية، بل إلى تجارب ثمينة وإرادة حديدية وفن إبداعي لم يسبقه إليه أحد.
بدأ شارلس مورجان حياته في البحرية الإنجليزية وعمره سبعة عشر عاماً فطاف ببلاد وموان مختلفة، وقد تولد ميله إلى الأدب بتأثير حادث خفي. ولما زار أكسفورد للمرة الأولى راقته حياة الطلبة ودفعته رغبته في إتمام تعليمه وتعلقه وشغفه بالأدب إلى أن يؤثر الالتحاق بالجامعة على الاندماج إلى الأبد في سلك البحرية. غير أن شبوب الحرب العالمية حال دون أن يحقق رغبته فاضطر أن يعود ثانية إلى العسكرية واشترك في الدفاع عن أنفرس إلى أن سقطت في يد الألمان فوقع في الأسر وأرسل إلى إحدى المعتقلات العسكرية في هولندا ثم أفرج عنه عقب الهدنة وعاد إلى إنجلترا ليلتحق ثانية بجامعة أكسفورد.
كانت أول أعماله الأدبية روايته الأولى (غرفة البنادق) في عام ١٩١٩ وقد تحدث فيها طويلاً عن حياة البحرية، غير أنها قوبلت من جانب الصحف والنقدة بقلة الاكتراث لعدم ذيوع اسم مؤلفها، وفي عام ١٩٢٥ أصدر روايته الثانية (اسمي لا عَدّ له) فكان نصيبها نصيب روايته الأولى.
أحس مورجان بدبيب الفشل يتطرق إلى نفسه، وانصرف إلى الوحدة والمطالعة وخاصة في كتب الفلسفة والتصوف، وفي عام ١٩٣٢ ظهر في الجو الأدبي للمرة الثانية بروايتين: الأولى (صورة في مرآة)، والثانية (النافورة) يصفهما كلير اليان انجيل الناقد الفرنسي: (بأنهما ثمرة مجهود طويل دقيق، أشرفت عليه إرادة جبارة تدل على نضوج في الرأي وقوة في التفكير) ويقول عنه محرر (النوفيل ليترير) في معرض نقده لفن شارلس مورجان: (بأن أهم مميزات عبقريته تحفظه في التعبير، ولا يمكن مطلقاً اتهامه بالبرود والجفاء لأن الانفعالات المكبوتة قد لا تخلو من الإحساس، ولهذا فأشخاص قصصه يشعرون ويتألمون ولكنهم يتهامسون دون رفع أصواتهم).