للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خواطر جغرافية]

للأستاذ محمد محمد علي

إن اعتماد الناس في ممارسة الحرف على ظروف كثيرة. ظاهرة ملحوظة؛ ففي بعض الأقاليم نجد مجال اختيار الحرف محدوداً وفي أقاليم أخرى نجده كبيراً. وفي أغلب مناطق أمريكا الجنوبية حيث يسكن بقايا من الهنود لا يزالون صيادين، ويضيعون وقتهم في تحقيق رغبات بدائية، وهم لا يستغلون كل موارد الثروة في بلادهم. وواضح أن الفرق عظيم بين هذه الحياة البدائية البسيطة والحياة الحديثة في نيويورك مثلاً. وتتميز هذه الحياة بوجود ترابط بين مختلف الحرف، وهذا الترابط ونمو رغبة الإنسان المتزايدة وقدرته على استغلال الموارد الطبيعية.

كان الناس في الأزمنة الغابرة يعيشون في أراضيهم، ويتبادلون مع جيرانهم بما يزيد عن حاجاتهم، أي كان اعتمادهم على الأرض التي يقطنونها. فيمكن القول بوجه عام أن النشاط التجاري ليس بجديد. فالحضارات القديمة مثل الحضارة المصرية والبابلية في العالم القديم، وحضارة الأزت والمابا والانكا في العالم الجديد، أقامت نظماً في التبادل مختلفة. وبانتقال الحضارات من غرب آسيا إلى البحر المتوسط وشمال غرب أوروبا حدثت تغييرات ملحوظة في النظم الاقتصادية. ولقد كان الفينيقيون والإغريق والقرطاجيون والرومان يتاجرون في العطور والأحجار الكريمة ومنتجات الغابات، ووصلوا إلى الشواطئ الغربية والشمالية للبحر الأسود فضلاً عن قيامهم بدور الوسيط بين تجارة الشرق والغرب. فلما كسدت التجارة القديمة في البحر المتوسط جاء الصليبيون في أوائل العصور الوسطى واشتغلوا بالتجارة، ثم قامت جنوه والبندقية وأصبح لهما أهمية تجارية عظمى، وكانت أساطيلهم تمخر عباب كل أجزاء البحر المتوسط. ومع أن سكان أوربا قد عرفوا كثيراً من المنتجات التي كانت مجهولة لديهم من قبل، فإن التجارة لم تكن نشيطة إذا قورنت بما حدث في عصر الاستكشاف، والانقلاب الصناعي. وفي أوائل القرن الخامس عشر واجهت مجموعات المدن التجارية صعوبات متزايدة في الحصول على منتجات الشرق، إذ أن استيلاء الترك على مصر والقلاقل السياسية سبب ركوداً في التجارة. فولى تجار أوربا وجوههم شطر الأطلنطي لعله يؤدي إلى طريق مضمون لتجارة الشرق. وأول من فعل ذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>