عرفت أدبيا ذائع الصيت، طوف في بعيد الأقطار وقريبها، فأفاد من ذلك علما في خلائق الناس، إلى جانب ما هو عليه من سعة اطلاع ورجاحة عقل. وعرفته كذلك عصاميا ابن نفسه، لم يعتمد على مال يسنده ولا جاه يرفده فخاض ميدان الحياة دائبا صابرا، وانتهى إلى ما احب دون ما صخب أو جلبة، ودون أن يظهر عليه اثر من خيلاء الفوز ببلوغ الغاية.
وعرفته إلى جانب ذلك كله مؤمنا - مفرط الإيمان - في مبادئ اختطها لنفسه، ومقاييس وقف عندها لا يعدوها مهما يحوطه من ظروف وربما خطر لي أن أتهمه بأنه يحمل ذلك عن طريق تربيته الأولى فهي أصداء تتجاوب في قرارة نفسه، ولعله لا يقوى على دفعها ومغالبتها بل ربما ضاق بها أحيانا في إحدى هذه الفترات التي أبصره فيها ساهما واجما كأنما هو يلمس مكانها من نفسه (كلما عاد إلى تلك النفس) فيقف عند حدود ما اتهمه به! وهو مع ذلك لا يتنكر لها، ولا يتبرم بملازمتها، حين يرى هذا الإجماع من إخوانه وأخدانه على استهجانها واستثقال ظلها، في هذا الزمن الذي تغيرت فيه مقاييس الناس واعتباراتهم!.
أجل، كذلك عرفته منذ كشف لي عن دخيلة هذه النفس الغامضة، وطالما سمعته يتحدث إلى بصوته الخفيض كلما جلسنا على انفراد، فيقول: أتدري - ويحك - من هي فتاة أحلامي التي لم أجد لها شبيها منذ شرعت ابحث عنها؟! فابتسم في وجهه وأنا اعلم من هي، فقد حثني عنها طويلا - وأن اختلفت أساليب حديثه - ولكني لم أجد أبداً من أن استرسل في مجاملته فأقول: ومن أين لي أن أدري - يا حفظك الله - من تكون! فتبدوا على محياة سمات الرضوان لهذا (الجهل) الذي سيمكن له من أن يطيل في الوصف ما شاء خياله الجامح، ويقول: أنها - يا أخي - فتاة قد أصابت حظا من العلم، يكفى لأن يجعل منها أما صالحة وقد تقول أن هذا أمر ميسور يتفق فيه الفتيات جميعا! غير أن فتاتي يجب أن تكون إلى جانب ذلك، ربيبة بيت ما يزال يتفيأ ظلال الدين والتقوى، ويتقلب ذووه على مهاد وثير من الفضيلة والخلق العربي الكريم. ولابد من هذه الأخلاق وأتحسس مدى رجولتهم