وتقع في جانب الجبل مغارة عميقة هائلة ليست كلها من عمل الطبيعة، بل أنهم اجتهدوا في توسيعها شيئاً فشيئاً، فهذه المغارة هي في الواقع مقبرة الدراويش يتوسطها مقام الشيخ الكبير أبو عبد الله المغاوري الذي يرجع الفضل إليه في تأسيس تكية القاهرة، يحف به مئات من قبور الأخوان الدراويش، وهي متناثرة هنا وهناك في جوف المغارة. وأسر الى صديقي بأن هؤلاء الأخوان إنما تحرروا من قيودهم الزمنية وانطلقوا إلى العالم الأخر ليظفروا بلمحات يكشف لهم فيها الغيب، ويروا ما لا تراه العيون. بيد أنني لم أفكر كما فكرت الساعة في أن الرجال في أية لحظة من لحظات حياتهم هم أموات بالنسبة لتلك اللحظة، فليس الوقت هو الذي يمضي سراعاً، ولكننا نحن الذين نبتعد عن الزمن الصامت الثابت.
وإذا ما أراد الزائر أن يهبط إلى جوف المغارة فعليه أن يخلع نعليه أولا ويودعهما في صندوق خشبي مستطيل الحجم بجوار الباب، كما يتحتم عليه أن يدفع بعض ما تيسر في صندوق النذور. ولقد رأيت أن المترددين لزيارة هذه القبور نفر يسير من سكان القاهرة الفقراء، وأخصهم النساء اللواتي يلتمسن شيئاً من العزاء والسلوى في وقوفهن أمام الأضرحة والقبور.
خلعت وزميلي نعلينا وتأهبنا للتوغل في داخل المغارة التي كانت شمس الصباح تنفذ من فوهتها. وبعد أن دفعنا بضعة قروش لحارس المقبرة وهو من الدراويش الأشداء، دلفنا إلى مقصورة الشيخ الكبير مؤسس الطريقة؛ وكان في خارج المقبرة عدد من العجائز يرفعن أيديهن إلى السماء ويبتهلن إلى الله بالدعوات الصالحات، وقد علمت أن في وسع الموسرات منهن أن يدخلن إلى المقصورة ويمسسن الضريح بأيديهن للتبرك - ولكن هذا