للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نادر - أما بقيتهن فمن الفقراء اللواتي لا يملكن قوت يومهن، وهن يكتفين بالوقوف بباب المقصورة وأمامهن أحد الدراويش حاملا في يده مقرعة ليفسح الطريق للزائرين.

إن زيارة الأضرحة في مصر لا تزال من العادات المتفشية بين جميع الطبقات؛ وعلى الرغم من محاربة العلماء لها، فليس من السهل القضاء على الخرافات الكثيرة المتأصلة في نفوس العوام، لأنهم يعتقدون أن بعض الأولياء تحل بركتهم بالمرضى فيبرؤون. ولقد قضى الوهابيون على هذه البدع والنقائض كلها فحرموا زيارة الأضرحة والتبرك بالأولياء، واستطاعوا أن يعيدوا إلى بلادهم الشرائع الإسلامية خالية من كل شائبة. وهم يقولون إن قوة الإنسان في حد ذاتها محدودة، وليس في وسع أي مخلوق أن يشارك الله في قدرته؛ ويعتقدون أن وجود هذه الأضرحة يعيد إلى الذاكرة عبادة الأوثان التي قضى عليها الإسلام وحاربها بكل قوة.

ووقع نظرنا على ضريح الشيخ المغاوري يتوسط المقصورة في مساحة لا تقل عن تسع ياردات، وفي طرف الضريح رأس من الحجر ملفوف عليه قماش أخضر مطرز. وكذلك رأينا شمعتين كبيرتين الحجم موضوعتين بجوار الشاهد، حتى خيل إلينا أنهما حارسان. ولا يجب أن يفهم من هذا إن هاتين الشمعتين موضوعتان لغرض الإضاءة، كلا بل هما للزينة والتأنق، لأننا شاهدنا مصباحاً متدلياً من السقف ينشر ضوءه الشاحب المخيف على وجوه الزائرين.

جلست مع صديقي حسونه على المقعد الحجري المعاقب لضريح الشيخ، نرقب عن كثب هذا المشهد المؤلم، مشهد عشرات النسوة وهن يتمرغن في الخارج على الحجارة ويرسلن أصواتاً مخيفة مزعجة كالنباح، وأومأت إلى صديقي أنه يستطيع أن يستخلص موضوع رواية يوضح فيها بجلاء حالة المرأة المصرية، ثم يعرج على وصف حالة العامل المصري والفلاح المصري ويحلل نفسية كل منهما. فالفلاح في مصر لا يزال يكد ويشقى، ويلاقي من صنوف الهوان ومرارة العيش، كما كان يعانيه زميله أيام بناء الأهرامات دون تغيير أو تبديل في أسلوب الحياة، وما برحت الخرافات والبدع الدينية ظاهرة الأثر رغم تقدم الحضارة وانتشار العمران، وما زالت مسيطرة على نفوس هؤلاء العوام.

أجل! إنه لولا وجودي في القاهرة لما فكر صديقي حسونه في أن يقصد إلى تلك الخرائب

<<  <  ج:
ص:  >  >>