من أهم الأنباء التي نقلها إلينا البرق في الشهر الماضي ذلك النبأ الذي يلخص نظام التوريث والوصية في البلاد الروسية، وفحواه أن القوانين الجديدة تبيح لمن يشاء أن يترك ميراثه لمن يشاء، بعد أن كانت التركات من حق الدولة وحدها إن لم يكن للمتوفى ورثة أو أقارب.
سئلت منذ تقدمت الجيوش الروسية في الأرض الأوربية: ماذا يكون مصير أوربا أمام الدعوة الشيوعية واحتلال الروس للأقطار التي يحتلونها الآن وقد يحتلونها إلى ما بعد انقضاء الحرب بسنوات؟ فقلت: إن الروسيا لن تكون شيوعية ماركسية في ذلك الحين، لأنها ستقترب من النظم الاشتراكية المعتدلة، ثم تقترب من النظم الديمقراطية، وسيكون للديمقراطية حظ السبق إلى التطور السريع في مسائل الثروة والتأمين الاجتماعي، فتحل المشكلات التي عجزت الماركسية عن حلها بعد ربع قرن من التجارب والمحاولات، فإن توفق الديمقراطية إلى الحل الحاسم في جميع هذه المشكلات فهي موفقة لا محالة في الابتداء الذي يكفل لها حسن الانتهاء أو حسن التقدم والاطراد في الطريق.
وقد يقتضي الأمر بضع سنوات قبل أن تصطبغ الماركسية بالصبغة الأخيرة التي تقربها من الديمقراطية، فلا نقول إن الماركسية اليوم قد تغيرت كل التغيّر ولا أنها قد رجعت في مسألة الطبقات عن القواعد التي قام عليها المذهب منذ أعلنه دعاته في القرن الماضي، ولكنا نقول إنها شرعت في النقلة التي لا رجوع فيها، وإن المسألة بعد ذلك مسألة الوقت والمناسبات.
والذي تغير حتى الساعة من أصول الدعوة الماركسية غير قليل فأول عوارض التغير هو العدول عن نشر الدعوة في العالم والاكتفاء بالتجارب الميسورة في البلاد الروسية وما جاورها، وقد كان هذا مبعث الاختلاف الشديد بين الزعيمين الكبيرين تروتسكي وستالين.
وجاءت بعد ذلك عوارض أخرى لم تكن تدور للينين - فضلاً عن كارل ماركس - في حساب. فاعترفت الحكومة السوفيتية بالكنيسة وبعض النظم الدينية، ثم اعترفت بالوطنية التي كانت تعتبر في عرف كارل ماركس وأصحابه بقية من بقايا رأس المال، ولجأ