كتاب أنيق الشكل جيد الطبع، لا تكاد تتناوله حتى تدرك أن صاحبه من رجال الفن، فهو بقلمه وبريشته، على غلافه صورة لناحية من جامع قرطبة وقد كتب عنوانه من الخارج ومن الداخل بخطين مختلفين طريفين، وتناثرت فوق صحائفه طائفة من الصور التقطت بعضها عدسة التصوير، ونقشت بقيتها ريشة المؤلف الفاضل فجاء في مجموعها جامعة بين الجمال والفائدة، ولذلك فالكتاب من هذه الناحية طريف خفيف الظل. وتقرأ في أوله كلمة تحت عنوان (الأندلس) فتلمس فيها إعجاب الكاتب بتلك البلاد وتشوقه إليها، بل هيامه بها قبل زيارتها، تلمس ذلك في مثل قوله (أجل شغفت بها طفلا وشابا وسأحتفظ بهواها مدى الحياة) وكأنك لشدة حماسته تسمع صوته ولست تقرأ عبارته، ولذلك فالكتاب من هذه الناحية قوي الروح عميق الأثر. ولقد أحسن الكاتب صنعا بأن مهد لكتابه بكلمة في أهمية الفن، ثم بلمحة في الفن العربي عامة، والأندلس خاصة، ثم بعجالة في تاريخ الأندلس. قضى المؤلف أربعة أيام في مجريط، ثم اتخذ سبيله إلى طليطلة ويسميها المنيعة، فمتع نفسه بجمال آثارها ثم عاد إلى مجريط فاتخذ القطار من محطة مديوديا إلى قرطبة دار العلم كما نعتها، فزار جامعها ووصفه وصفا مسهبا واتى له بطائفة من الصور البديعة ثم سار إلى أشبيلية، وهي عنده مدينة الطرب وهناك زار قصر الزهراء ووصفه وصفا دقيقا، ومن إشبيلية سار إلى أختها غرناطة مقر الحمراء فوصفها في حماس قوي وإعجاب شديد. ومما أحمده للمؤلف تلمسه الروح العربية في تلك البلاد، مما يشهد بدقة ملاحظته، ففي مجريط أحس تلك الروح في كرم أهلها، ووفرة الطعام على موائدهم، وفي طليطلة رآها في نوافذها وأبوابها الدمشقية وفيما يعرضه الباعة في الطرقات من أقمشة زاهية الألوان، من أساور وأقراط و (بقج) مقصبة وأسلحة وحلي. . . الخ وفي قرطبة وإشبيليةوغرناطة تجلت له تلك الروح في عادات الناس وفي شكل المنازل ذوات الردهات الفسيحة والأبواب والنوافذ العربية , وفيما رآه من أمثال بائعي (البوظة) والليمونادة، وهم يضربون صحونهم ويصيحون في لحن عربي على نحو ما يشاهد في شوارع دمشق.
ولئن قدرت قيمة الكتب بما تتركه من أثر في نفوس قارئيها فإني أشهد أن هذا الكتاب من