- ويْك أتق الله يا أبا فلان. إنك لتوشك أن تقتل هذا الرجل الصالح وتبوء والله بدمه. ويك اتق الله، لا تطرده من (فندقك) فإنه غريب نائي الديار، قطع سباسب وبحاراً، وجاب ما بين المشرقين. . .
قال: أبقى بن مخلد جاب ما بين المشرقين؟
قال: نعم، وهل تراني عنيت غيره؟ إنه حاجتي إليك، وما سألتك حاجة قبلها، أفلا تقضيها لي؟ إنه شيخ جليل القدر يحمل الحديث ويروي السنن، أفندعه يموت على قارعة الطريق؟
قال: وما أصنع به أنا؟ لقد آويته في فندقي عامين أثنين، لا آخذ منه مالاً ولا أرزؤه شيئاً ولا أعصي له أمراً، أفيكون جزائي أن أعجف عليه نفسي حتى يموت، فيخرج من فندقي محمولاً إلى القبر فيتشاءم الناس بالفندق فيتحامونه فأفلس؟
إنه مريض أنهكته الأوجاع وأدنفته الحمى، ولقد أعجز تقاريس الأطباء، وما أراه إلا ميتاً العشية أو غداة الغد. . . فارحموني، أنقذوني منه، ليس لي به حاجة. . . قبحها الله ساعة أكريته فيها هذا البيت، لقد كانت ساعة ما حضرها مَلَك. . .
قال: أربع عليك أيها الرجل فإنك في نعمة لو عرفت قدرها لقطّعت الليل بحمد الله عليها. إنك لا تدري أيّ خير ساقه الله إليك، وأي أجر كتبه لك، فأقم نفسك في خدمته، وارجُ وجه الله، أطمعْ لك بالجنة
قال: إني والله لو عرفت مداها لما لمتني على الجزع منها. إنك لا تعرف هذا الشيخ أي رجل هو؟ أأقول لك: إنه لم يبت عندي ليلة واحدة حتى خرج بخلقان بالية ومزق مخرقة وركوة وعصا ليسأل الناس. . . ما لك تضحك من كلامي؟. . . أتهزأ بي يا أبن سعيد؟
قال: لا. ولكنك لا تدري ما شأن هذا الرجل
قال: وإنّ له بعدُ لشأناً؟
قال: وأي شأن؟ هذا رجل هجر جنَّات الأندلس ورياضها، وعيونها وأنهارها، ومكانة له