فوق ما للأستاذ (الزيات) بين رجال الفكر والقلم من مكانة مرموقة؛ فإن له نزعة دينية تتمثل فيما يكتبه من حين إلى حين عن الثقافة الإسلامية وحاجة الناس إليها، وعن الأزهر وما يتصل بالأزهر من هذه الناحية. وبلاغة الزيات وروحه تقتضيان أن يقرأ له الناس إذا كتب، ويصغوا إليه إذا قال.
وقد تحدث الأستاذ في افتتاحية (الرسالة) لعامها العاشر عما يغشى الناس في هذه الآونة من ظلام: ظلام المطامع والشهوات، أو ظلام القسوة والطغيان؛ حتى عُمِّيت على الناس وجوه الرأي، وأغلقت دونهم أبواب الحيلة، واكفهرت أمامهم بوادر المستقبل.
وتعليل ذلك كله عند الأستاذ الزيات ظلمة السرائر من نور الهداية، وإقفار البصائر من روح الدين، حتى تكاثفت هذه الظلمات الباطنة؛ فكانت في الظاهر كذلك حلكاً غاشياً، وظلماً فاشياً؛ ثم كان ضجر الناس بالحياة، وسخطهم في هذا الوجود. ذلك معنى حديثه، وهو حديث حق لا ريب فيه (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً)
ولكن متى يستبين للناس وجه الرشاد من الغي فيرجوا إلى الدين فيما يتصل بهم أو يصل بينهم من أسباب، لتنجاب عن بصائرهم هذه الغشاوات، وتنكشف لأبصارهم مسالك الحياة؟! علم ذلك عند الله. . .
ولكن الأستاذ الزيات يتجه إزاء هذا السؤال نحو الأزهر، وهو يرى الأزهر في وضعه الصحيح كمحطة استقبال وإذاعة: يتلقى تعاليم الوحي من كتاب الله وسنة رسوله، ويذيع في الناس الحكمة الصادقة، والموعظة الحسنة، والقدرة الصالحة، ويمثل في سيرة أهله ما كان ماثلاً في سيرة السلف وأعمالهم للدنيا وللدين.
والنظر إلى الأزهر بعين كهذه ليس فيه إسراف ولا شطط، فقد قام الأزهر كما يقول الأستاذ - للدين وعاش بالدين - وليس يليق به أن يكون لغير هذا وإن تطاولت عليه السنون؛ ولا يليق به أن ينحدر من عليائه إلى الوضع الأدنى الذي خرطه في عداد المدارس، أو كاد.