درج الناس في العصر العباسي على تقديم الهدايا للخلفاء، ونلاحظ أن هذه الهدايا كانت تقدم في النيروز والمهرجان، وفي الفصد، وفي العودة من الحج، هذا عدا الهدايا التي كانت تحملها الرسل الواردة على الخليفة من الولاة والأمراء، أو من ملوك الروم.
أما الهدايا في النيروز والمهرجان، فعاده فارسية أخذها العرب عن الفرس منذ فجر العصر الإسلامي. ويقول الجاحظ إنها كانت معروفة زمن معاوية، وظلت كذلك طول عهد الأمويين، حتى جاء عمر بن عبد العزيز فأبطلها. فلما دالت دولة الأمويين، وقامت دولة العباسيين، عادت هذه العادة إلى الناس، وصارت فرضاً عليهم نحو الملوك.
ويبين الجاحظ العلة في تقديم الهدايا في النيروز والمهرجان فيقول:(وإن من حق الملك هدايا المهرجان والنيروز، والعلة في ذلك إنهما فصلا السنة، فالمهرجان دخول الشتاء وفصل البرد، والنيروز إيذان بدخول فصل الحر)
(ومن حق الملك أن تهدي إليه الخاصة والعامة، والسنة في ذلك عندهم أن يهدي الرجل ما يحب من ملكه إذا كان في الطبقة العالية، فإن كان يحب المسك أهدى مسكا لا غيره، وان كان يحب العنبر أهدى عنبراً، وإن كان صاحب بزة ولبسه أهدي كسوة وثياباً، وإن كان من الشجعان والفرسان، فالسنة أن يهدي ذهباً أو فضة، وإن كان من عمال الملك، وكانت عليه متأخرات أو بقايا للسنة الماضية جمعها وجعلها في بدر حرير صيني وشريحات فضة وخيوط ابريسم. . . ثم وجهها. وكان يهدي الشاعر الشعر، والخطيب الخطبة، والنديم التحفة والطرفة والباكورة من الخضروات. وعلى خاصة نساء الملك وجواريه أن يهدين إلى الملك ما يؤثرنه. ويجب على المرأة من نساء الملك إن كانت عندها جارية تعلم أن الملك يهواها ويسر بها، أن تهديها إليه بأكمل حالاتها، وافضل زينتها، وأحسن هيأتها. فإذا فعلت ذلك، فمن حقها على الملك أن يقدمها على نسائه ويخصها بالمنزلة ويزيدها في الكرامة).
وعاد الجاحظ في المحاسن والأضداد ففصل ما اجمل. قال: وجعلوا شعارهم: كل يهدي