للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

على كف القدر

للأديب السيد محمد زيادة

الحياة لغز معقد أعجب ما فيه أن يشقى من لا يستحق الشقاء وأن يهنأ من لا يستحق الهناء؛ ولكن رحمة الله قريب. . .

التف الولدان والبنتان حول أمهم في أول الليل يسألون عن العشاء، وراحت هي تعللهم وتشاغلهم بما يلذ لهم من الحديث ليغمى على طفولتهم فيناموا. .

ثم ما لبثت صغرى البنتين أن استلقت على حجر أمها نصفها يقظان ونصفها هاجع، فحدبت عليها الأم ومالت تقبلها وتهز أعطافها برفق لتصرف عنها بقية يقظة وتسرب إليها بقية نعاس.

ثم نامت الفتاة طاوية تشيع على وجنتيها حمرة صفراء فيها معنى الطوى، وترقد بين أجفانها نظرة موهونة فيها معنى الألم، وتجول على شفتيها ابتسامة حزينة فيها معنى اليأس!!

ورأتها أمها نائمة لا يستقر على ملامحها الكرى، فحدقت في وجهها وأطالت التحديق. . . فأي حزن أبلغ من حزن أم فقيرة تنظر إلى وجه ابنتها النائمة فترى الجوع والفقر يتصالحان لتذبل في صلحهما زهرة ناضرة؟.

وسقطت من عين الأم على خد الفتاة قطرة من الدمع. . . ثم نهنهت المسكينة دمعها، ورفعت رأسها إلى أعلى وقالت: يا رب!

ونظر الولد الأصغر إلى أمه بعد إذ تنهدت وقال: هاهي ذي قد نامت فلم يبق إلا نحن الثلاثة. . . أما لديك طعام لنا؟

قال الولد الأكبر: إذا كان لديها طعام فماذا كان يمنعها أن تقدمه؟. انتظر يا مجنون حتى يعود أبونا فأنا لا نملك الطعام أو ثمن الطعام إلا بعد عودته.

قال الولد الأصغر لأمه: وهل يحضر معه ما وعدني وهو خارج في الصباح بإحضاره يا أماه؟ أم يخلف ما وعد كما فعل بالأمس وكما يفعل كل يوم؟.

قالت الأم: سيأتيك بكل ما تطلب يا ولدي والله معينه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>