. . . هذه قصة الرافعي وفلانة، كما رواها لي، وكما يعرفها كثير من خاصته. وإني لأعلم أن كثيراً ممن يعرفونها ويعرفونه سيدهشون إذ يقرءون قصة هذا الحب، وسيتناولونها بالريبة والشك. وسيقول قائل، وسيدعى مدع، وسيحاول محاول أن يفلسف ويعلل؛ ولا عليَّ من كل أولئك ما دمت أروي القصة التي أعرفها، والتي كان لها في حياة الرافعي الأدبية تأثير أيُّ تأثير يُرَدُّ إليه أكثر أدبه من بعد. وحسبه أنه كان الوحي الذي استمد منه الرافعي فلسفة الحب والجمال في كتبه الثلاثة: رسائل الأحزان. والسحاب الأحمر، وأوراق الورد. وحسبي أنني قدمت الوسيلة لمن يريد أن يدرس هذه الكتب الثلاثة على أسلوب من العلم جديد!
على أني مسئول أن أبرئ نفسي أمام قدس الحق؛ فأعترف هنا بأن ما رويت من هذه القصة كان مصدره الرافعي نفسه؛ مما حدثني به وحدّث أصحابه، أو مما جاء في رسائل أصحابه إليه ممن كانوا يعرفون قصته؛ وما بي شك فيما روى من هذا الحديث؛ فما جربت عليه الكذب، ولا كان هناك ما يدعوه إلى الاختراع والتزيد كما يزعم من يزعم؛ ولكنها حقيقة أُثبتها للتاريخ، لعل باحثاً مدققاً يوفَّق في غد إلى إثبات ما أعجز اليوم عن التعليل له.
على أن الرافعي قد أقرأني رسالة أو رسالتين بخط (فلانة) إليه؛ وهما وإن لم تدلا دلالة صريحة على حقيقة ما رويت من قصة هذا الحب. لا تنفيانها كذلك، بل لعلهما أقرب إلى الإثبات منهما إلى النفي؛ والحذر طبيعة المرأة.
ثم إن الرافعي لم يخصّني وحدي برواية هذه الحادثة؛ فإن عشرات من الأدباء في مصر قد سمعوها منه؛ ومنهم من يعرف (فلانة) معرفة الرأي والنظر، ومنهم من كان يغشى مجلسها لا يتخلف عنه مرة؛ ومنهم من كان الرافعي يقصد بالحديث إليه أن يكون بريداً بينهما ينقل إليها حديثة شفةً إلى شفة. وفي الناس بُرُدٌ إن لم تزُد على ما سمعتْ من حديث الحب لم تنقص منه شيئاً! فلو أن الرافعي كان يتزيّد فيما روى لي ولأصحابي من حديث هذا الحب لخشي مغبّة أمره؛ وإن (فلانة) يومئذ ذات جاه وسلطان!