وثمة برهان آخر لا يتناوله الشك؛ هو رسالة من رسائلها نقلها الرافعي من كتاب من كتبها المعروفة لا أسميه، إلى كتابه أوراق الورد؛ يزعم أنها رسالة منها إليه في كتاب، جواباً على رسالة بعث بها إليها - وكانت هذه بعضَ وسائلهما في المراسلة كما رويتُ من قبل - وأوراق الورد معروف مشهور، وكتابها معروف مشهور كذلك. ومما لا يحتمل الشك أن تكون (فلانة) لم تقرأ هذه الرسالة في كتاب الرافعي ولم ينبهها أحد إليها. وأبعد من الشك أن تكون قد قرأت هذه الرسالة المنشورة قبل ذلك في كتاب يحمل اسمها ثم لم تفهم ما يعنيه الرافعي؛ ولا شيء وراء ذلك إلا أن تكون قرأتْ، وفهمتْ، وسكتتْ؛ ولا شيء بعدُ إلا أن يكون بينهما شيء يؤيد ما رواه الرافعي من قصة هذا الحب. . .!
على أن اعتراضات ثلاثة توجَّهتْ إلي ما رويت من هذه القصة لا بد من التنبيه إليها: أما أحدها فمن الأستاذ الأديب جورج إبراهيم؛ فهو ينكر عليّ أن أستند إلى هذه الرواية، ويروي لي أنه صحب الرافعي في أولى زياراته لفلانة، وشهد ما كان من تأثر الرافعي وانفعاله وجذْبته؛ ولكنه إلى ذلك ينكر أن يكون بين الرافعي وفلانة صلة بعد هذه الزَّورة، ويصحح ما رويته عن الرافعي - وكان من سامعيه - بأنه حبٌّ من طَرَف واحد، اختلطت فيه مذاهب الفكر ومذاهب النظر فشُبِّه للرافعي ما شُبِّه؛ فما يحكيه هو صورة ما في نفسه لا صورة ما كان في الحقيقة!
فالرافعي عند الأستاذ جورج إبراهيم لم يكذب ولكنه أخطأ التقدير والنظر. وعندنا أن عدم علم الأستاذ جورج بأن صلةً ما كانت بين الرافعي وفلانة بعد الزَّورة الأولى، لا ينفي أن هذه الصلة كانت حقيقةً ولم يعلم بها؛ فحديثه من ثَمّ لا ينفي شيئاً ولا يثبته، ويبقى بعد ذلك ما يستنبط من الرأي على هامش القصة.
وقريب مما يرويه الأستاذ جورج، ما تستنبطه جريدة المكشوف في بيروت، في حديث تناولت به بعض ما نشرنا من قصة حب الرافعي.
وتعقيب ثان توجه به صديقنا فؤاد صروف - محرر المقتطف - على ما رويناه، قال:
(لقد سمعت هذه القصة من الرافعي كما رويتَها؛ فما أشك في صحة ما تكتب، ولكني أسأل: هل كانت (فلانة) تبادل الرافعي الحب؟. . .