(في يناير من سنة ١٩٣٤ (أو سنة ١٩٣٥) دعتني فلانة إلى مقابلتها؛ فلما شخصتُ إليها رأيت في وجهها لوناً من الغضب فدفعتْ إليّ رسالتين من رسائل الحب بعث بهما الرافعي إليها لأرى رأيي فيهما؛ ثم قالت: ماذا تراني أفعل لأذود عن نفسي؟ أتراني أتقدم في ذلك إلى القضاء؟
قال الأستاذ صروف:(فاعتصمت بالصمت من لا ونعم، وتركت لها أن تستشير غيري؛ ولست أدري ما كان بعد ذلك!)
قلت: وهذه رواية جديرة بأن تذكر - ومعذرة من ذكرها إلى الأستاذ صروف - على أنها لا تدل على شيء في هذا المقام أكثر من أن فلانة لم يكن يروقها في سنة ١٩٣٤ أن يتحبّب إليها الرافعي؛ فماذا كان أمره وأمرها معه قبل ذلك بعشر سنين؟
أيكون لهاتين الرسالتين اللتين يتحدث عنهما الأستاذ صروف - صلة بما كان في نفس الرافعي من يقين بأنه سوف يلقى فلانة ليصل ما انقطع من حبال الود بعد عشر سنين من يوم القطيعة)
أعني: هل حاول الرافعي - بعد عشر سنين من القطيعة - أن يعيد ما كان بهاتين الرسالتين فلم يصادف قلباً يستجيب لدعائه؟
على أن هذا الخبر - أيضاً - لا ينفي شيئاً ولا يثبته؛ ولكنه يفتح باباً إلى الاستنباط والرأي
ولكنه مما لا شك فيه أن الرافعي لم يكن يعلم شيئاً عن وقع هاتين الرسالتين في نفس صاحبته؛ ولا أحسبها صنعت شيئاً يدل الرافعي على مبلغ استيائها من هاتين الرسالتين، وإلا لما ظل يتعلق بالأمل في لقائها إلى شتاء سنة ١٩٣٥، وكنت معه لما همّ بزيارتها.
وثمة اعتراض ثالث يعترضه الدكتور زكي مبارك؛ وما كان لي أن أثبته هنا لولا أن أثبته هو في كتاب من كتبه نشره على الناس منذ قريب، ولولا أن أشار إليه في مقالات نشرها في مصر وفي العراق وفي بيروت!
والدكتور زكي مبارك أديب مشهور، ولكن آفته - ولكل أديب آفة - أنه يدسّ أنفه فيما يعنيه وما لا يعنيه؛ وهو قد شاء أن يحشر نفسه في هذه القصة التي لا يهمه منها إلا أن يعلن للناس - والإعلان عن نفسه بعض خصائصه الأدبية - أنه كان يجلس إلى (فلانة) جنباً لجنب في الجامعة المصرية بضع سنين!