الحياة عاقلة تسعى إلى غايتها الأزلية وهي تلهم ما تريد ومن تريد لتحقيق غايتها المحجوبة عنا. أصغر ذرة في الكون وأكبر جزء من أجزاء الكون سيان في خدمة هذه الغاية. . . وكل ما في الكون دائب عامل على تحقيقها، وهل الحياة إلا دوائر بعضها يموج في قلب بعض، لا تنفتح دائرة عبثا ولا يولد شيء عبثا، وفي كل ذلك سر، جهلنا به لا ينفي وجوده! وهذا الاتصال يؤمن به (نعيمه) حتى لا يجد حدودا بين البداية والنهاية. لأن بداية كل شيء مرتبطة بنتيجته. والواقف على متفجر الينبوع يرى فيه المسيل والبحر، والطريق والمحجة، لأن بدايته مرتبطة بنهايته، لا تستطيع أن تقول: من هاهنا ابتدأ وهنالك انتهى! بل يبتدئ وينتهي، ويبتدئ وينتهي من أصغر من لحظة، فهو - من بدايته ونهايته - في نقطة لا يفرق فيها مفرق بين البدء والنهاية
وقد يصل (النعيمي) بين خيوط الحياة الحقيقية وخيوط الحياة الحالمة، فيحاول أن يجعل من الأحلام مؤثرات في اليقظات! وكم حلم أراد تفسيره بالحقيقة، ومشابهة حللها بمشابهة أخرى! كأن الحياة عنده واعية تخلق ما تهوى وتخلق الإنسان كما تهوى ولا يخلق هو من نفسه شيئا، وهذه الوقائع التي تتراكم في حياة الإنسان وندعوها نحن (مصادفات) يراها هو (حقائق) كبرى مرسومة في كتاب الحياة، وإنما دعانا عجزها إلى تسميتها بالمصادفات. وما فيها من معنى المصادفة شيء!
فلسفة هادئة عميقة لم تنبت جذورها إلا في الشرق؛ الشرق البعيد، الذي وجد معنى الألوهية في كل ذرة من ذرات الوجود، هذه الفلسفة لم فيه يبعثها الغرب الذي سكنه طويلا، وإنما حاول الغرب أن يخنقها فيه، فهب بصيحة المخنوق فيه، فأنقذه قبل إسلام الروح
فلسفة شرقية هادئة لا تحارب العالم لأنها هي العالم، ولا تثور على القوة المجهولة بل تدور معها كما تدور الأفلاك والنجوم، ولكل جرم دورته وسبيله. والعوالم كلها تؤلف عالما واحدا