كاملا. كلنا دورات في دورات، وكلنا ضمن دائرة الحياة الكبرى. وهي تكره التمرد على الحياة، لأنها لا تدرك معنى هذه الثورة، والتمرد - عندها - نزق شباب وثورة محموم، ورغوة تلهيك عن الصريح، وخير من هذا التمرد على الناس وحياتهم التوجه إلى تفهم أسرار تلك الحياة بصمت وهدوء، وكشف ما فيها من جمال ينضح من معين الجمال الكلي. وهو يأخذ على جبران تمرده الذي يضعه فوق (أبناء الحياة) ويريد من فنه أن يعليه فوق الناس. فيرى نفسه نسرا عظيما، ويرى غيره دجاجا وديدانا،
لا يرضى غير الفضاء ميدانا، ولا يشرف على الحياة إلا من القمم العالية، يأخذ نعيمه على جبران هذا الأدعاء، ويجيبه بلسان (ميشلين) المتواضعة المتهكمة (وأنت يا جبران! لا تأنف من أن تغذي جسمك ببيوض الدجاج ولحومها! جعل (ميشلين) رفيقة تحسن المشي في مسالك الأرض قبل أن تجعلها شاعرة تجوب رحاب الجو. اجعلها دجاجة سعيدة قبل أن تجعلها نسرا قويا، اجعلها إنسانا راضيا قبل أن تجعلها إلها كاملا)
فلسفة متواضعة غايتها أن تبشر بالحياة الشاملة التي تربط بين الأقاليم التي مزقها طمع الناس، قضوا على أسمى رابطة بينها ورضوا بأن يربطوا - ما قطعوه - بالمسخ الذي خلقوه وألهوه - وهو الفلس - وبهذه الفلسفة يجرب أن يؤلف بين البشر ويفني الذات الفردية، ويحل محلها الذات العامة التي لا شريعة إلا شريعتها؛ فلا يبغض إنسانا لأنه كل الناس، ولا يملك شيئا لأن كل شيء له. ولا يهرب من الألم لأنه السبيل إلى النجاة، ولا يدين مجرما لأنه يدين نفسه، ولا يطلب مجدا لأن كل مجد باطل
هذا هو عالم الوحدة الكاملة حيث الحياة ألفة أبدية، كل ما فيها يعانق بعضه بعضا عناق محبة لا حواجز فيها ولا حد لها، يبلغه الإنسان فيدرك بلاغة الصمت وهيبة السكون، وسمو النفس في حضرة ما لا يحد. ومرتبة الصمت - عند نعيمة - هي أسمى مراتب البلاغة، ولكن أي صمت! هو الصمت المبطن بتلك المعرفة، وقد يكون أن ذلك الصمت هو المحجة التي نسير إليها على غير علم منا
بلى: سيصمت الإنسان - الصمت الأكبر - عند القبر، وينفصل الإنسان عن كل شيء ولكنه الانفصال الظاهر! لأن الانفصال لا حقيقة له. . . (وأين هي القدرة التي في وسعها أن تحل حلقة واحدة من سلسلة الزمان وتترك السلسة مفككة مقطعة؟ أليس الإنسان يغيب