لاحت في جوانب العالم المنصرم تباشير السلم كما تلوح في هوادي
الليل تباشير الفجر الكاذب، فانبعثت رواقد الأماني هنا وتحلب أشداق
المطمع هناك، وابتهل العالم العربي إلى الله أن يوقيه ويلات السلم كما
وقاه ويلات الحرب، فأوحى إليه أن يتحد - ومن طباع العالم العربي
الذي يؤمن بانقطاع الوحي إلا يعمل إلا بوحي - فوفد إلى القاهرة وفود
الدول العربية خفافاً وثقالا، واخذوا ينظرون في الصورة التي تكون
عليها الوحدة، وفي الألوان التي تتألف منها الصورة. ولا يزال أقطاب
(الجامعة العربية) يديرون الرأي فيما بينهم استعداداً لجمع (المؤتمر)
وعقد (الميثاق)
وذلك وحي الضرورة نزل على قلوب الساسة فصعدوا به وعملوا له. وهنالك وحي الطبيعة أوحته القرابة الواشجة، واللغة الواحدة، والوطن المشاع، والتاريخ المشترك، فتجلي في المجمع اللغوي، وفي التعاون الثقافي، وفي مؤتمر الأطباء، ومؤتمر المحامين، وفي مهرجان أبي العلاء، وفي مؤتمر النساء، وفي بعوث الأقطار العربية في معاهد مصر العلمية، وفي الدعوات والرحلات، وفي الكتب والمجلات، وفي الأصوات المتجاوبة تزأر بالدفاع عن فلسطين المهددة، وفي الجماعات المتزاورة تتساقي المودة حيناً على النيل وحيناً على بردى وحيناً على دجلة
تلك وحدة الروح والهوى، لا خلاف فيها على زعامة، لأن زعيمها الخالد بالإجماع محمد. ولا خوف منها على استقلال، لأنها كدين الله لا تعرف الحدود ولا تقبل الحصر. ولا مثار لعصبية، لأنها كعروبة الإسلام لا تفرق بين أحد من الناس لدين أو جنس. والرسالة تحمد الله وتشكره على أن وفقها في سنيها الثلاث عشرة لتكون جندياً صادق البأس خالص العقيدة من جنود هذه الوحدة. وكان الرجاء أن تصدق نبوءة المتنبئين بانطفاء هذه الحرب في عامنا الذاهب، لتستعيد الأرض قرارها المطمئن، وتستأنف الحياة سيرها الأمن، وتستقبل