أدى الكاتب فريضة الحج هذا العام، وقد نشرنا له في عدد مضى من الرسالة فصلاً عن (الدعوة الوهابية وأهدافها الدينية والسياسية) وفيما يلي يحدثنا عن الموقف الأكبر في عرفات. . .
قال صديقي:
- هنيئاً لك حجك في هذا اليوم؛ إنه يعدل سبعين حجة!
قلت: وما ذاك؟
قال: لقد كانت حجة الوداع في يوم الجمعة، وهو يومنا هذا؛ ولهذا قيل إن الحج إذا وقع في يوم جمعة، تضاعف أجره سبعين مرة. . .
قلت: إن الذي يضاعف أجر الحج ليس وقوعه في هذا اليوم أو ذاك، وإنما في وقوعه من القلوب بمنزلة الإيمان الواعي البصير، الذي تنعكس أنواره فتسري في المشاعر كالكهرباء، ثم تترجمها المشاعر إلى أعمال مبرورة، وكلم طيب يرتفع بصاحبه إلى السماء!
ولاحت لنا عرفات، ذلك السهل المنبسط الفسيح؛ وقد أقيمت فيه الخيام على مد البصر، وفي أقصاه جبل (إلال) أو جبل الرحمة كما يقولون، وقد بدا كأنه جبل من البشر لا من الصخور. . .
إن آلاف الحجاج يغطون جوانبه حتى القمة، وإنك لتشهدهم هكذا حتى في وقت الظهيرة تحت وهج الشمس المحرقة، وفي أتون الحر اللافح الشديد!
وا رحمتاه لأولئك المسرفين في العبادة، تنطلق بهم أشواقهم إلى بعيد، حتى لتكاد تبلغ بهم المهالك، وهم هائمون ذاهلون. . .
وليس ذلك من الإسلام في شيء أيها الأخوة المسرفون.
أيها المسرفون على أنفسهم، وعلى دينهم السمح اليسير؛ هذا الدين الذي لن يشاده أحد إلا غلبه، مهما أوتي من قوة وطاقة، ومهما أسرف على نفسه من جهد وعناء.
خذوا ذلك عن سيد العابدين، وأوغلوا في الدين برفق كما يقول.