ثم ما هذا الوقوف على جبل (إلال) وما مكانه من مناسك الحج كما شرعها محمد بأفعاله وأقواله؟
إن الحج عرفة، ذلك السهل المنبسط الفسيح. وكل مكان فيه موقف لأداء هذه الفريضة، وقد وقف الرسول عند جبل (إلال) ولم يصعد جانبه أو يتسم قمته كما يفعل هؤلاء الغلاة المسرفون؛ وأقر مئة ألف من أصحابه على الوقوف حيث هم من ذلك السهل المنبسط الفسيح، يتوجهون إلى الكعبة بالتهليل والتسبيح والدعاء.
وا رحمتاه لأولئك المسرفين على أنفسهم وعلى دينهم!
إن منهم من يقدم إلى الحج في أخريات أيامه، محطماً هزيلاً متهالكاً من شيخوخة وإعياء؛ وليست لديه إلا أمنية واحدة، هي أن يموت في هذه الأرض الطاهرة البيضاء. . .
وهو في سبيل تحقيق هذه الأمنية التي تملك عليه كل مشاعره؛ يحاول جاهداً أن يستعجل هذه النهاية، ويختصر في الوصول إليها أسباب الحياة!
إنه يجد في أشعة الشمس المحرقة خيوطاً ترقى عليها روحه إلى السماء، فهو يتعرض لها ويتشبث بأسبابها ليبلغ من أمنيته ما يريد. . .
وهو يقسو على شيخوخته وضعفه، بل إنه ليمد هذه الشيخوخة وذلك الضعف بما يدفعهما به دفعاً إلى مصيره الرهيب الحبيب!
إنه الانتحار. . . الانتحار على أخبث صورة وأبعدها فتنة وضلالة؛ لأنه انتحار بلبس ثوب الشهادة في سبيل الله؛ والله ورسوله من ذلك براء.
وجدير بي وأنا أتحدث عن أولئك المسرفين على أنفسهم وعلى دينهم، من أمثال أولئك الشيوخ الفانين، وغيرهم ممن لا تتوافر فيهم شرائط (الاستطاعة) كهذا الذي يقدم على الحج وهو ضعيف معتل، لا يقوى على متاعب الحج ومشاقه؛ أو ذاك الذي يبيع كل ما يملك من حطام الدنيا ليظفر بأداء هذه الفريضة، لا يعنيه بعد ذلك أن يعود إلى بلده معدماً يستجدي الناس ما يعول به نفسه وأهله.
جدير بي في هذا المقام أن أضرب مثلاً بما فرضته دولة إسلامية ناهضة هي إندونيسيا؛ إذ اشترطت على من يريد أداء فريضة الحج شروطاً منها: ألا تزيد سنه على خمسين عاماً، وأن يجتاز فحصاً طبياً تثبت به سلامته من العلل والأمراض، وتدخل في ذلك المرأة أيام