ظهرت الطبعة الأولى لملحمة (كاليفالا) يوم ٢٨ فبراير سنة ١٨٣٥. ولعل النجاح الذي صادفه هذا الأثر الفني شجع (لونرو) على متابعة رحلاته، وكان قد عنى من قبل بجمع القصائد التي ينشدها سكان مقاطعة (كاريلي)، فتوجه إلى المقاطعات الشرقية ونقل القصائد الشائعة فيها، ثم ضمها إلى ما سبق له جمعه بحيث اكتملت هذه الملحمة وطبعت للمرة الثانية في شكلها الجديد سنة ١٨٤٨ في ثمانمائة واثنين وعشرين ألف بيت من الشعر وهي الطبعة التي يعتمد عليها اليوم. وقد نقلها إلى الفرنسية في شعر مطلق مقطع وفقاً لتقاطيع الشعر الفنلندي المسيو جان لوي بيريه الأستاذ المعيد للأدب الفرنسي بجامعة هلسنكي.
كان لظهور هذه الملحمة فضل بعث الروح القومية في نفوس الفنلنديين. ويهمنا في هذا البحث من أثرها أنها حملتهم على العناية بلغتهم الأصلية.
قلنا: إن الأسوجيين بعد أن فتحوا فنلندا فرضوا لغتهم على سكانها، فصارت اللغة الأسوجية لغة العلم والأدب، بينما ظلت اللغة الفنلندية شبه لهجة يتحدث بها الشعب. فظلت متأخرة لا سبيل إلى التعبير فيها عن حالات النفس ورغباتها. وظلت اللغة الأسوجية مسيطرة على اللغة الفنلندبة، حتى بعد استيلاء روسيا على دوقية فنلندا الكبيرة. وكانت تعلم في مدارسها وجامعاتها.
ولما أخذ الفنلنديون يشعرون بقوميتهم بفضل ظهور ملحمة (كالفالا) ابتدأ الشعب يناضل للتخلص من اللغة الأسوجية التي لا تزال الطبقة الأرستقراطية متمسكة بها إلى اليوم
فلا عجب إذا احتفى الفنلنديون بهذه الملحمة واحتفظوا بها كاحتفاظهم بمفاخرهم القومية وآثارهم الوطنية التي كشفت لهم عن كنوز ماضيهم الدفينة وأوحت إلى نفوسهم الثقة بمستقبلهم وقوت عزيمتهم لنيل استقلالهم. وقد خصوها بغرفة في المتحف الوطني بهلسنكي جمعوا فيها مختلف طبعاتها وترجماتها
ومن أدلة حفاوتهم بها الحفلات العظيمة التي أقاموها سنة ١٩٣٥ بمناسبة مرور مائة عام على ظهورها في عالم الطباعة