كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذمم التشاؤم ويبدئ القول ثم يعيده في تهجينه وتشبينه، إذ كان الإسلام قريب عهد بالجاهلية، وكان للتفاؤل والتشاؤم دولتهما في تسيير شؤون الناس. وكان عليه الصلاة والسلام خبيراً بطبائع الناس وأمور معايشهم، وإذ بصر بالتطير بينهم شائعاً في الخطب الجسام وفي الأمر الدون نهى عنه وبغضه تبغيضاً شديداً، حتى لقد قرن التشاؤم بوقوع الشؤم ذهاباً مع ما يستشعره الوجدان من خفي النوازع ومتضارب الخوالج، ثم يكون عليها بعد ذلك من صميم الواقع شهيد.
وللرسول الأعظم أحاديث كثيرة في ذم التشاؤم مبثوثة في الأسانيد الصحاح، وإنها لخير مرجع للرائد والباحث في علوم النفس. ولقد كان التفاؤل والتشاؤم أثرهما في حياة الكثيرين من أعيان الأدباء والساسة. وعرف عن ابن الرومي أنه كثير التطير والتوجس فأغرت به هذه الغمزة من الضعف عداته وحساده، وطوعت لهم أنفسهم أن يتخذوا له من هذه الرذيلة مقتلاً يفوقون من خلاله سهام حقدهم وكيدهم، ويغيضوه ويردوه عن مكاسبه، فكانوا إذا أرادوا به كيداً أرسلوا إليه من يتطير باسمه، فظل الرجل ثاوياً في داره لا يبرحها وحوله أولاد جياع وأكباد تحن إلى القدر.
ولقد أفسحت رقعة الحضارة واستقام ميزانها، وارتفعت العلوم وانبسط رواقها، وانفتقت الأذهان إلى غاية مداها، ولكن النفوس بقيت مطوية على ما كانت عليه قبل عهد ابن الرومي وقبل إعصار الجاهلية من التطير وعكسه، والإيمان بهما إيماناً أعمى ليملك على الإنسان نفسه من سائر أقطارها.
ذلك لأن التفاؤل والتشاؤم منزعان من منازع النفس البشرية جبلت عليهما فأصبحا من تلك العاد التي تتعلق بالفطر والطباع، وأمسى أمر اكتناهها مما يعي الإفهام ويتبهم على العقول. وليس يمكن الوصول إلى تجريد النفس من التطير مما ترى فيه نحساً ولو على سبيل التظني والتوهم، إلا إذا يسر النفاذ إلى قداس الخوالج النفسية، وهان الوصول إلى أعمق ما يتحرك به الحس في انطواء الروح، وهذا ولا ريب من بعض المحال، وهيهات أن يبلغه