إني لتدركني الشفقة أحياناً على هذه الكلمة المفردة، كما يشفق امرؤ ذو قلب على عزيز قوم ذلّ، وغني قوم افتقر. إن أحداث الزمان قد جارت عليها، وإن الدهر القلب الذي يتنكر لكل شئ قد تنكر لها. إنها كالموظف المعزول الذي لم يعد يظهر في ديوان عمله، أو كالعقد الثمين المتألق الذي لا يجد صدراً يزينه. إنها كالقلادة الرفيعة التي مات صاحبها وبقيت في (مخلفاته) تندبه في صمت، وتذكر به كلما رمقتها العيون!
لقد كانت (الغيرة) معنى مشرقاً في صدور الرجال، فأصبحت رسماً
باهتاً في بطون الكتب؛ وكانت (مادة) ملموسة بارزة الأثر في حياة
الناس، فأصبحت (مادة) قابعة في قواميس اللغة!
لقد فتشت عنها في نواح كثيرة من نواحي الحياة، فلم أجدها
كنت أحب أن أجدها: لم أجدها في البيت لأني وجدت (المرأة) تحكم (الرجل)، فلا يغار على حقه المغصوب، ولا يألم لسلطانه المسلوب؛ ولم أجدها في الطريق، لأني وجدت المخازي تعرض على قارعته في صور مألوفة، وأشكال معروفة، فلا يغضب عليها غضب ولا يحمي بها صدر مغيار! ولم أفتقدها بين سمار الليل في النوادي الآثمة والمجتمعات المتهتكة، لأني أعلم كيف تصرع هناك الفضيلة ويصفع الحياء! ولم أحدها في (مكاتب الموظفين)، لأني وجدت الأعمال فيها مهملة، والأوراق مكدسة والناس على أبوابها يستصرخون ولا من يجيب الصريخ!
وأخيراً، فتشت عنها عند الذين يتنادون (بالإصلاح)، ويتحلون (بالفضيلة) فلم أجدها: لم أجد من يغار على البرامج المعطلة، والأمانة المضيعة، والوعود المهملة، والفساد الذي استشرى، والنار التي تومض من حلال الرماد!